الذين لخص القرآن العظيم مذهبهم في آية منه:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}(١).
ولما ركن أتباع المادية المعاصرة إلى الإلحاد، واستسلموا لتقاليده، قادهم ذلك إلى جحد كل قضايا الغيب.
ومن هنا كانت مسألة الإيقان بوجود اللَّه تعالى وألوهيته أصل كل المسائل والقضايا الأخرى، كما أن الشك في وجوده أو جحدان وجوده -جلَّ وعلا- أساس كل انحراف في الاعتقاد والعمل والأخلاق.
وفي هذا الزمان الذي شاع فيه الإلحاد بصورة مقننة ترتدي -زورًا- أردية العلم والعقل والتجريب، استسلم ضعفاء العقول والمواهب من المنحرفين من أبناء المسلمين للأفكار المادية ولوازمها الآتية من الغرب، واستولت عليهم وسيطرت على أذهانهم، من صغار المتطفلين منهم إلى كبار المقلدين.
بيد أن القضية في كل نواحيها يُمكن أن تقاس بالعقل والبرهان والدليل التي طالما تشدقوا بها مدعين وخالفوها عامدين، إذ لا شك في احتفاظ البراهين والأدلة العقلية المنطقية المستجمعة لشرائط الصحة دائمًا بقوتها وقطعيتها، بدرجة ترجح على قوة الأدلة المادية التجريبية المحسوسة المبنية على التجارب والاكتشافات، ولاشك أيضًا في أن الأدلة المادية التجريبية القطعية الثابتة لا يُمكن أن تعارض الأدلة العقلية الصحيحة ولا الأدلة النقلية الصريحة.
وصفوة القول بأن الأدلة العقلية الصحيحة والأدلة التجريبية الثابتة والأدلة النقلية الصريحة تفيد الضرورة في دلالتها على وجود اللَّه تعالى وألوهيته والنبوة والمعاد، وهذه الأدلة بهذه الأوصاف لا يُمكن أن تتعارض إلّا في عقل نقص حظه من إدراكها على وجهها بشرائطها الصحيحة، ولا تنقص قيمة الدليل العقلي أو التجريبي أو النقلي بسبب ضعف بعض الأذهان عن فهم دلالاتها القطعية، بل تزيد قيمتها، كما أن الجوهر