والاستدلال بمجرد النفي والاستبعاد والاستحالة ونحو ذلك، إن دل على شيء فإنّما يدل على ضعف حجة صاحبها وزيف اعتراضاته.
فإذا انضاف إلى ذلك اعتقاد بعضهم أن الأبدية للإنسان تكون عن طريق تناسخ الأرواح، تبين حينئذ مقدار ما وصلوا إليه من خرافة وجهل وضلال.
وبهذه الاعتقادات الجاهلية يتجلى لكل صاحب بصيرة أن القوم قد تركوا العروة الوثقى والحقيقة العظمى، واستندوا إلى ما ليس بمستند، وعكسوا الأمور أبشع عكس وأشنعه، وجعلوا الحقائق أباطيل والأكاذيب حقائق، وبهذا الاختيار المعكوس تأثرت عقولهم وأعمالهم، وهو أحد أسباب انصرافهم عن الالتزام بالمطالب اليقينية الضرورية مثل وجود اللَّه تعالى والنبوات والمعاد.
وتعبيراتهم عن عقيدتهم بأبدية الدنيا أو بعض ما فيها أو القول بتناسخ الأرواح، تعبيرات كثيرة كلها تدل على أنهم على ملة غير ملة الإسلام، ومن ذلك قول إحسان عباس في شرحه لنظرية الزمن عند أصحاب الشعر العربي المعاصر، وذلك في سياق مقارنة بين المفهوم الإسلامي للزمان والمفهوم الحداثي، مما يدل بجلاء على أن هذا الناقد الحداثي -غير المتهم في ولائه للحداثة- يفرق بين الاتجاهين في قضايا كثيرة منها قضية الزمان هذه، حيث قال:(. . . يُمكن القول أن الحضارة الإسلامية -حسب تصوري- كانت ترى الزمن دورات -محدودة الأمد- يتخللهما نظرة رجوعية إلى الماضي، بينما تذهب الحضارة الأوروبية إلى أن الزمن تيار مستمر، وخاصة منذ أن ارتبطت في القرن التاسع عشر بفكرة التقدم أو التطور التي تعني استمرار السير قدمًا دون معوقات من النظرة إلى الوراء، فإذا تحدثنا عن التطور أو التحول فإنّما نستعير تصور الحضارة الأوروبية للزمن)(١).