للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هدمه هذه الصناعة تقوم على نظرية ترسم كيفية تكوينه واستمراره ثم هدمه نقولها عشرات بل مئات المرات، الإنسان لا يولد بل ينشأ، ثم الإنسان لا يموت بل يهدم؛ لأن الموت فناء، وهنا الموت تحول من مادة إلى أخرى، أي: أنه هدم. . .) (١).

(لقد قلنا: إن الإنسان يهدم ولا يموت؛ لأن الهدم بقاء وتحول أمّا الموت فهو فناء، والإنسان بعد هدمه يتحول من مادة إلى مادة أخرى ولكنه لا يفنى، وقلنا إن سبب الهدم هو تغلب أسباب الهدم على أسباب البقاء، أعداد رهيبة من المكروبات تحاول هدم الجسد، وفي مقابلها جيوش من الكرات البيضاء تدافع بضراوة، الأول بكل أسلحة الدمار، والثاني بكل تحصيناته الدفاعية الذاتية والخارجية المتمثلة في العقاقير الطبية والتقدم العلمي، ويبقى الجسد أرض المعركة، والصراع بين قوى الهدم والبقاء حتى تنتصر في النهاية قوى الهدم، ليتحول بعد ذلك هذا الجسد إلى مادة أخرى، إذن فالنهاية المحتومة أن تنتصر قوى الهدم، طال الوقت أم قصر، هذه هي الحقيقة التي لا مهرب منها، وليست كما يعزوها كهان الدين لملاك الموت الذي ينتزع الروح من الجسد انتزاعًا متى حان الأجل دون أسباب، والسؤال: هل يُمكن إطالة عمر الإنسان؟ نعم بتقوية دفاعات الجسد ضد قذائف الميكروبات، بل ليس مستبعدًا أن يتقدم العلم خطوة، بل خطوات في مجال تقوية الأساس البنائي للإنسان، أي بتهجينه لنجد أمامنا إنسانًا جديدًا يعمر مئات بل آلاف السنين، وانتصار قوى الهدم ليس سوى تطبيق لنظرية العودة لنقطة البداية -إلى أن يقول: - وهذا يُكمل النظرية القائلة أن المادة لا تفنى بل تتحول، وهو الحادث أيضًا في الجسد الإنساني، فبعد هدمه لا يفنى بل يتحول، ويبدأ هذا التحول بعد الهدم مباشرة) (٢).

ولولا أن من مهام هذا البحث إثبات مدى الانحراف الاعتقادي فيما يسمى أدب الحداثة، لما قمت به بنقل هذا الهراء والكلام المتهافت، ومن


(١) مسافة في عقل رجل: ص ٢١٦.
(٢) المصدر السابق: ص ٢١٧ - ٢١٨، ونحو هذا في: ص ٢٢٠، ٢٢٢، ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>