للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجودها متفرقة في أوقاتها التي حددها اللَّه لها أزلًا.

ومن العلماء من يرى أن القضاء هو إيجاد اللَّه للأشياء فيما لا يزال، والقدر علمه بصفاتها وتحديده لها بحدها الذي ستوجد عليه.

ومنهم من عرف القدر بتعريف شامل فقال: (تقدير اللَّه تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته) (١).

إذن فهناك من جعل القضاء هو العلم السابق الذي حكم اللَّه به في الأزل، والقدر هو وقوع الخلق على وفق الأمر المقضي السابق.

وهناك من عكس فجعل القدر هو الحكم السابق والقضاء هو الخلق.

وهناك من جعل القضاء والقدر كالإسلام والإيمان إن اجتمعا افترقا وإن افترقا اجتمعا، أي: أنهما متباينان في حال الاجتماع لكل منهما معنى يخصه، ومترادفان إذا تفرقا، فإذا قيل هذا قدر اللَّه فهو شامل للقضاء، وإذا ذكرا جميعًا فالتقدير ما قدره اللَّه تعالى في الأزل أن يكون في خلقه والقضاء هو ما قضى به تعالى في خلقه من وجود وعدم وتغير وغير ذلك (٢).

وهناك من جمع بينهما في مفهوم واحد متكامل، جاء هذا فيما نقله صاحب جامع الأصول حيث قال: (وجماع القول في هذا: إنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضه) (٣).

وعلى أية حال فإنه يتضح أن القضاء والقدر، وعلى أي من الاتجاهين في تعريفهما يتضمن ما يلي:

الأول: الإيمان بعلمه -تعالى- الشامل المحيط، وأنه -جلَّ وعلا- علم بكل شيء جملة وتفصيلًا أزلًا وأبدًا، سواء كان ذلك ما يتعلق بأفعاله أو


(١) شرح أصول الإيمان لابن تيمية: ص ٥٣.
(٢) انظر هذا القول في شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ٢/ ١٨٧ - ١٨٨.
(٣) جامع الأصول لابن الأثير ١٠/ ١٠٤، وهذا القول نقله عن الخطابي -رحمه اللَّه تعالى-.

<<  <  ج: ص:  >  >>