للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه القضايا الأربع تسمى مراتب القدر، وأركان القدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلّا بالإيمان بها، فمن أقر بها جميعًا فإن إيمانه بالقدر يكون مكتملًا، ومن أنقص منها فقد اختل إيمانه بهذا الركن من أركان الإيمان، أو انتقض بحسب نوع البدعة أو الجحود.

وأفعال العباد مخلوقة مقدرة، مكتوبة معلومة للَّه تعالى، وهذا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرته عليها، وقد ثبت ذلك بأدلة الشرع والواقع.

أمَّا الشرع فقد أثبت اللَّه تعالى للخلق مشيئة وقدرة كما قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا} (١)، وقال: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (٢)، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} (٣)، وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (٤).

أمَّا الواقع فإن كل عاقل يعلم أن له قدرة ومشيئة، بهما يكون الفعل والترك، وبهما يكون التفريق بين الفعل الإرادي كالمشي والكلام والنظر، والفعل غير الإرادي كالارتعاش والسقوط من علٍ أو سقوط شيء عليه.

ومشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة اللَّه تعالى وقدرته لقوله -جلَّ وعلا-: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} (٥) فلا يكون في ملك اللَّه تعالى شيء بدون علمه ومشيئته جلَّ وَعَلَا.

والإيمان بالقدر لا يسوّغ لأحد من الكفار أو الفجار أن يتخذه حجة على ترك المأمورات أو فعل المنهيات، لأسباب عديدة منها:


(١) الآية ٣٩ من سورة النبأ.
(٢) الآية ٢٢٣ من سورة البقرة.
(٣) الآية ١٦ من سورة التغابن.
(٤) الآية ٢٨٦ من سورة البقرة.
(٥) الآيتان ٢٨، ٢٩ من سورة التكوير.

<<  <  ج: ص:  >  >>