أحدهم شكوى، قال رئيس القبيلة الشيخ:"لم نفقد الشيء الكثير، فقد كنا خليقين بأن نفقد كل شيء، ولكن حمدًا للَّه وشكرًا فإن لدينا نحو أربعين في المائة من ماشيتنا، وفي استطاعتنا أن نبدأ بها عملنا من جديد".
وثمة حادثة أخرى: فقد كنا نقطع الصحراء بالسيارة يومًا فانفجر أحد الإطارات، وكان السائق قد نسي استحضار إطار احتياطي، وتولاني الغضب، وانتابني القلق والهم، وسألت صحبي من الأعراب "ماذا عسى أن تفعل؟ " فذكروني بأن الاندفاع إلى الغضب لن يجدي فتيلًا، بل هو خليق أن يدفع الإنسان إلى الطيش والحمق، ومن ثم درجت بنا السيارة وهي تجري على ثلاث إطارات ليس إلّا، لكنها ما لبثت أن كفت عن السير، وعلمت أن البنزين قد نفذ، وهنالك أيضًا لم تثر ثائرة أحد من رفاقي الأعراب، ولا فارقهم هدوءهم، بل مضوا يذرعون الطريق سيرًا على الأقدام وهم يترنمون بالغناء!.
قد أقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها في الصحراء بين الأعراب الرحل، أن الملتاثين ومرض النفوس والسكريين، الذين تحفل بهم أمريكا وأوروبا، ما هم إلّا ضحايا المدنية التي تتخذ السرعة أساسًا لها.
إنني لم أعان شيئًا من القلق قط، وأنا أعيش في الصحراء بل هنالك في جنة اللَّه، وجدت السكينة والقناعة والرضا، وكثيرون من الناس يهزأون بالجبرية التي يؤمن بها الأعراب ويسخرون من امتثالهم للقضاء والقدر، ولكن من يدري؟، فلعل الأعراب أصابوا كبد الحقيقة، فإني إذ أعود بذاكرتي إلى الوراء، وأستعرض حياتي، أرى جليًا أنها كانت تتشكل في فترات متباعدة تبعًا لحوادث تطرأ عليها، ولم تكن قط في الحسبان أو مما أستطيع له دفعًا، والعرب يطلقون على هذا اللون من الحوادث اسم "قدر" أو "قسمة" أو "قضاء اللَّه" وسمه أنت ما شئت.
وخلاصة القول: إنني بعد انقضاء سبعة عشر عامًا على مغادرتي الصحراء، ما زلت أتخذ موقف العرب حيال قضاء اللَّه، فأقابل الحوادث التي لا حيلة لي فيها بالهدوء والامتثال والسكينة، ولقد أفلحت هذه الطباع