للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما هم بقادرين على ذلك، بل عجزهم في تغيير نواميس الحياة وقوانين الكون أو تجاوز قضاء اللَّه الكوني فيما قدر وأراد سبحانه وتعالى مثل عجز أوليائهم عن خلق ذباب ولو اجتمعوا له، قال ربنا تبارك اسمه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)} (١).

وما الظن بقوم يكفرون باللَّه الخالق المدبر، ويؤمنون بالأوثان والأصنام الجاهلية ويجعلونها معيارًا للتقدم والقوة ورمزًا للصراع؟ {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} (٢).

ولنأخذ على هذا مثالًا فيما نحن بصدده في هذا المبحث:

يقول أدونيس:

(عائشة جارتنا العجوز يا فينيق، مثل قفص معلق

تؤمن بالركام والفراغ والطرر

وبالقضاء والقدر) (٣).

يورد محمد جمال باروت في كتابه الحداثة الأولى، هذا النص الوثني ثم يعقب عليه قائلًا: (يعطي فينيق فراغ العالم، وحياة الإنسان فيه، معنى بالتزامه الوجودي الكياني بـ "سر مهجته"، وهي هنا في النص "التجدد" والتحرر من الهرم الحضاري للذات القومية - الحضارة، لكأن فينيق الطائر يتحرر باكتشافه سر التجدد والحرية في ذاته من هذا العالم "عائشة العجوز" الذي ليس إلّا "مثل قفص معلق" وبهذا المعنى تغدو سيرورة العلاقة في مرجع النص، قائمة على التمرد والانفصال بين طائر "الفينيق" وبين هذا


(١) الآيتان ٧٣ - ٧٤ من سورة الحج.
(٢) الآية ٢٦ من سورة الفتح.
(٣) الأعمال الشعرية لأدونيس ١/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>