للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا تزلزلت فكرة الدين والأخلاق ومعايير العدل والخير والحق، وخاصة تلك الشفافية الروحانية التي ترفع الإنسان عن مستوى الحيوان البهيم، إذ أصبح عندهم مجرد حيوان لا كرامة له ولا رفعة فيه ولا روحانية، ولا مجال في كيانه ووعيه لشيء وراء الطاقات الحسية.

ولئن كان للغرب ظروفه الخاصة به في صراعه مع الكنيسة وخروجه على استبدادها وفظاظتها ووحشيتها وخرافتها، فما العذر لأبناء المسلمين في قبول هذه الخرافة؟.

الواقع يقول أن السبب هو وقوعهم في دائرة العبودية للغرب المنتصر ماديًا، وفي إطار تقليد المغلوب للغالب.

مع أننا معشر المسلمين نملك عقيدة خاصة يدل على صحتها ما لا يحصى من أدلة العقل والحس والفطرة، ولدينا تاريخنا الخاص وحضارتنا التي لم تكن يومًا ما ضد العلم والتطور والتقدم، بل كانت معه من حيث التصور ومن حيث التطبيق والممارسة.

وواضح تمام الوضوح أن الحداثيين والعلمانيين قد أخذوا عن الغرب خرافة النشوء والارتقاء وطبقوها في ممارساتهم الأدبية والسياسية والفكرية، وتبنوا في محاكاة عمياء مقتضيات هذه الفرضية الباطلة، ومن ذلك نفيهم للغيبيات وسخريتهم بأخبارها الثابتة في الوحي المعصوم واستهزاؤهم بمن يؤمن بها إلى غير ذلك من أنواع الضلال والانحراف.

وفي الجملة فإن نظرية داروين وإيحاءتها ومقتضياتها وفروعها تعتبر أصلًا من أصول الحداثة والعلمانية وأساسًا لأفكار وأعمال أصحابها، الذين أفنوا حياتهم في تقديس الغرب وعبادته من دون اللَّه الملك الحق المبين (١).

ثانيًا: بناء على أصل الخلقة الربانية للإنسان من حيث كونه جسدًا وروحًا، فإن فيه جانبًا حسيًا وآخر معنويًا.


(١) انظر ما يتعلق بالروح والجسد وموقف الغرب المعاصر منها في: الإنسان بين المادية والإسلام: ص ٢٤ - ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>