للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجانب الحسي مرتبط بالجسد وحاجاته ومقوماته من حواس وأعصاب، وبه ينال رغباته من طعام وشراب ونكاح ولباس، ومن خلاله يشاهد ويسمع ويمشي ويبطش ويذوق.

والجانب المعنوي مرتبط بالروح التي لا يدري أحد على وجه التحديد مكانها أو ماهيتها، وهذا الجانب المعنوي هو الذي تفرد به الإنسان عن الحيوان الذي لا يستطيع إدراك الكليات والمعنويات والأمور التجريدية، ولا يستطيع إدراك القيم العليا كالعدل والحق والخير والجمال، بل هذه خصيصة من خصائص الإنسان.

وحيث أن قسطًا كبيرًا من هذا الجانب ينضوي تحت إطار الغيبيات، فقد جنحت الجاهلية الحديثة إلى إهمال هذا الجانب في الإنسان وإعلاء الجانب الحسي المشترك بين الإنسان والحيوان، جريًا على نظرية داروين.

إن الجانب المعنوي في الإنسان هو الذي يغطي ميادين الاعتقاد والفكر والفن والقيسم، ويشتمل على أرفع جوانب الإنسان وأخصها به من بين سائر المخلوقات.

وإذا نظرنا إلى هذه الميادين وماذا عملت فيها الجاهلية المعاصرة وجدنا أن: العقيدة وما يتفرع عنها من أعمال عبادية وفضائل سلوكية وأخلاق عملية قد هوجمت من قبل الماديين، وأضحت مجالًا للتندر والسخرية، بل أصبح لزامًا على كل من أراد البحث العلمي الدقيق أن يتخلص من كل إيمان باللَّه تعالى، على حد تعليمات داروين الذي قرر فيها: إن أي تفسير لشأن من شؤون الحياة يعتمد على وجود خالق له إرادة في الخلق يكون ذلك بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي بحت (١).

أمَّا الفن الذي شاع في العالم الحديث وسخرت له الإمكانيات الضخمة فقد انحدر إلى الحسية المادية بدعوى "الواقعية" واقعية المادة


(١) نقل هذا القول عنه الأستاذ محمد قطب في الإنسان بين المادية والإسلام هامش: ص ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>