للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وواقعية الحيوان، وأفقد الإنسان تحليقه وشفافيته وروحانيته ونشدانه للجمال المعنوي والآفاق الرفيعة الرقراقة.

أمّا القيم فقد داسوها تحت أقدام الراقصات ودفنوها في البارات وبيوت الدعارة، وقضوا عليها بالفلسفات النفعية، والأفكار المادية القائلة بنسبية الأخلاق وعدم ثباتها.

وهكذا نرى أن الجانب المعنوي والطاقة المعنوية التي تميز الإنسان عن الحيوان طمست في هذه الجاهلية المعاصرة، التي حصرت الإنسان في محيط ما تدركه الحواس، والتي قررت بشتى مذاهبها ومدارسها المادية: إن حقيقة العالم تنحصر في ماديته، وهكذا وقف الغرب ومقلدوه عند الحواس ومدركاتها وأنكر الروح والغيب، وأنكر قبل ذلك وجود اللَّه تعالى وكل ما يترتب على الإيمان به سبحانه، لقد وصلوا إلى درك سحيق من الارتكاس والهوان والحيوانية في كل شيء، في الأخلاق وفي السياسة وفي كل مناشط ومناحي الحياة (١).

نعم يسلم الماديون بامتياز الإنسان بالعقل على الحيوان، ولكنهم لا يسلمون مطلقًا بامتيازه بالروح، ومع تسليمهم بتميز الإنسان العقلي إلّا أنهم يرون أن العقل في حد ذاته (ثمرة من ثمار الطبيعة، ونتاج لعملية الارتقاء شأنه في ذلك شأن ذيل القرد أو رقبة الزرافة) (٢).

وقد تلقى المقلدون من أبناء المسلمين هذا الاتجاه المادي الذي ينفي أو يتناسى الجانب المعنوي في الإنسان وسلكوا مسالك أساتذتهم في تطبيق ذلك في مجال الأدب والفكر والفن، وفي مجال الحياة العامة في الأخلاق والعلاقات الاجتماعية والتطبيقات السياسية، وفي مجال الدراسات النفسية والاجتماعية، وأصبحوا بذلك رسل هذه الجاهلية


(١) انظر ما يتعلق بالحسية والمعنوية: منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب ١/ ١٥١ - ١٥٨، ودراسات في النفس الإنسانية له: ص ٩٧ - ١١١.
(٢) تاريخ الفكر الأوروبي: ص ٤٢٢ طبعة دار القارئ العربي.

<<  <  ج: ص:  >  >>