للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقل، ورفض ربط الأدب بالمبادئ الخلقية وربطه بالعاطفة والوجدان وإعلاء المشاعر الذاتية والذوق الفردي، وتعظيم شأن الخيال وإطلاق حريته في ارتياد الآفاق التي يريدها، والهروب من الواقع ومشكلاته، والافتتان بالعوالم الغريبة والأحلام والتعلق بالحزن والتلذذ بالألم ونشر الإحساس بالكآبة، وغير ذلك من أصناف الجنوح الفكري والعاطفي (١) القائم على إهمال واقع الحياة والناس والهيام في الأحلام والأوهام.

أمَّا الواقعية فإنها مرتبطة منذ نشأتها بالفلسفات الوضعية والتجريبية والمادية الجدلية، التي تشترك جميعها في رفض الغيبيات والاقتصار على ظواهر العالم المحسوسة، وجعل الطبيعة إلهًا وجعل الوجود الحقيقي هو الوجود المادي وليس وراءه أي وجود آخر.

والواقعية تتنكب الأحلام عمدًا، وتلتصق بالواقع المادي الصغير المحدود الذي تدركه الحواس، ويرفض معتنقوها أية تصورات ترتبط بالعقائد السماوية؛ لأنهم يرفضون العقائد السماوية ذاتها، ويعتبرونها تخلفًا ورجعية، ويجعلون الإلحاد والمادية تقدمًا وتنورًا.

وينشرون هذه المضامين الجاهلية في قصصهم وقصائدهم ومسرحياتهم وسائر كتاباتهم.

وأظهر المدارس الواقعية تطبيقًا لهذه المعاني "الواقعية الاشتراكية" (٢).

وإن كانت المدارس الواقعية الأخرى لم تخل من هذه الضلالات المادية باعتبار نشأتها في ظل الفلسفات المادية الوضعية والتجريبية والجدلية، وباعتبار نشأة روادها في الجو المادي المحموم الذي أشاعته نظرية داروين.

ومن أشهر هذه المدارس "الواقعية الانتقادية" (٣) التي تقوم على


(١) انظر: مذاهب الأدب الغربي: ص ٤٢ - ٥١.
(٢) ومن أشهر أدباء الواقعية الاشتراكية مكسيم جوركي، وشولوخوف، وماياكوفسكي وحمزانوف، وناظم حكمت، ولوركا ونيرودا، وجورج لوكاش.
(٣) من أشهر أدباء الواقعية الانتقادية بلزاك وخاصة في روايته الملهاة الإنسانية، وشارلز ديكنز، وتولستوي، ودستويوفسكي وأبسن وأرنست همنغواي.

<<  <  ج: ص:  >  >>