للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاهتمام بقضايا المجتمع ومشكلاته وتركز على جوانب الفساد والشر والجريمة ولكن من منظور مادي و"الواقعية الطبيعية" (١) التي توافق الانتقادية في جميع مبادئها وتزيد عليها في تأثرها الشديد بالفرضيات المسماة بالنظريات العلمية، ودعوتها إلى تطبيقها في المجالات الإنسانية وإظهارها في العمل الأدبي، وتنظر هذه الواقعية إلى الإنسان باعتباره حيوانًا تسيره غرائزه وحاجاته العضوية، وترى أن سلوكه وفكره ومشاعره هي نتيجة حتمية لبنيته العضوية وحالته الجسمية (٢).

وصفوة القول: إن (العالم اليوم يعاني موجة من "الواقعية" البغيضة وقد جاءت بعد موجة مغالية في "الرومانتيكية" المغرقة في الخيال! كلاهما انحراف! كانت الرومانتيكية تهمل واقع الأرض وتهتم في الأحلام، والواقعية اليوم تتنكب الأحلام عمدًا وتجنح إلى الواقع الصغير المحدود الذي تدركه الحواس، ويمارسه الناس وهم واقعون تحت ضغط الضرورة، لا منفلتين منها ولا مترفعين عليها. . واقع المادة وواقع الحيوان!.

إن الواقع الصغير الذي رسمت حدوده الداروينية القديمة لينتهي بالحياة عند المطالب القريبة التي تحتمها الضرورة، ولا يرتفع عن ذلك ولا يحلم بما هو أجمل أو أكمل أو أفضل، ومن ثم يظل مستواه يهبط، ويظل محيطه يضيق، حتى يصل في النهاية إلى جعل الإنسان آلة حيوانية، يتصرف كما تتصرف الآلة، وينطلق كما ينطلق الحيوان؛ لأنه يعيش بجناح واحد. . . جناح الواقع، ويقص جناحه الآخر. . . جناح الخيال) (٣).

لقد غرق الماديون المعاصرون في الواقعية، بل في أخبث أو حال


(١) من أشهر أدباء الواقعية الطبيعية أميل زولا رائد هذا الاتجاه وهو صاحب الرواية الشهيرة الحيوان البشري، التي طبق فيها نظرية داروين، وفلوبير صاحب رواية مدام بوفاري.
(٢) انظر ما يتعلق بالواقعية ومدارسها وشخصياتها والرؤية الإسلامية نحوها في مذاهب الأدب الغربي لعبد الباسط بدر: ص ٥٢ - ٦٣.
(٣) منهج التربية الإسلامية ١/ ١٤٨ - ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>