للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواقعية من شذوذ وجنس وصراع حيواني ونهم وجشع دنيوي هابط، وهربوا من الخيال المحلق والروح الرقراقة، والأطياف الشفافة التي تميز الإنسان عن الحيوان لقد أصبحوا واقعيين، نعم، ولكن على مستوى الحيوان، وكان بإمكانهم أن يكون واقعيين على مستوى الإنسان، ولكن فرارهم من كل ماله علاقة بالغيب والروح والطاقات المعنوية المنبثقة من النفس جعلهم يرتكسون في هذا الخوض الآسن.

(الواقع حقيقة ما في ذلك شك، ولكن الارتفاع فوق الواقع حقيقة كذلك. . . إنه حقيقة "الإنسانية") (١).

(وقد كانت أوروبا غبية بلهاء وهي تنحي من حسابها تلك المشاعر الصافية والومضات النفسية الوضيئة بحجة "الواقعية"! أو قل -إن شئت- أنها كانت تتحدث عن واقعها هي لا عن واقع البشرية!.

إن الواقعية لا تكون واقعة حقة وهي تغفل من الحساب جزءًا من الواقع وتنظر إليه كانه غير موجود. . . أوروبا التي تسيطر اليوم على العالم تأبى إلّا أن تغفل الواقع الأكبر لتعيش في حدود الواقع الصغير.

في ظل هذه الواقعية المشوهة التي تنكر قدرة الإنسان على الارتفاع فوق الواقع نبتت نظريات داروين وماركس وفرويد والبراجماتزم) (٢).

(والفنون الحديثة تنحو هذا المنحى الأحمق، لكي تكون فنونًا واقعية! الفنانون والنقاد المحدثون يسخرون من الفنون القديمة التي كانت تبرز الجانب الأبيض من الإنسان كأنما كله فضيلة! ويدعون في مقابل ذلك إلى تسجيل الإنسان بحسب واقعه، يعني تسجيل الجانب الأسود من طبيعته وكأنّما كله رذيلة!. . . وفي ظل هذه العقيدة راح الفنانون الغربيون يمزقون الإنسان مزقًا ويمرغونها في الوحل، نزوات الجسد، نوازع الفطرة، صراع الحيوان، خسة الطبع، التواء المشاعر، هذه هي الدراسة الحديثة للإنسان


(١) في النفس والمجتمع: ص ١٠٩.
(٢) المصدر السابق: ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>