للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عديدة بعض مواقفهم وشكوكهم وشبهاتهم، فأغنى كل ذلك عن إعادته هنا، وفي عرض عقائدهم من الغيبيات تحقيق لجزء كبير من مقصد هذا البحث، ألا وهو بيان البون الشاسع بين عقائد أهل الحداثة والعلمنة، وعقائد أهل الإسلام.

لقد أسس طواغيت الحداثة لأتباعهم أسسًا ضالة اقتفى أثرها المحاكون أو تأثروا بها، فهم بين تقليد محض لأساتذتهم الذين ينفون الدين جملة وتفصيلًا، وتقليد جزئي يتمثل في أنهم وإن لم يصلوا إلى النفي الكامل والإلحاد المحض فإنهم قد رتعوا في مراتع الشك والريب، وتزعزع إيمانهم باللَّه تعالى وبعقائد الإسلام، فإذا هم في حالة من التذبذب والاضطراب لا تسمح لهم أن يكونوا من صرحاء الإيمان ولا صرحاء الكفر وإن كانوا في نهاية الأمر -عقيدة وعملًا- يقفون في الصف المقابل لصف الإيمان {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (١).

إن طاغوتًا حداثيًا مثل أدونيس حينما يأخذ من تاريخ الإسلام المليء بالوضاءة والشموخ، وضاءة الإيمان وشموخ الاعتزاز بالإسلام، يأخذ الشذاذ والزنادقة فيجعل منهم سلفًا للحداثة الفكرية والأدبية المعاصرة، يهدف من وراء ذلك -في جملة ما يهدف- إلى إيجاد أسلاف يتحدث من خلالهم، ويقول لأتباعه المغفلين لستم وحدكم في ميدان الإلحاد والخروج على الدين، بل قد كان قبلكم أناس من أمثال محمد بن زكريا الرازي الملحد (٢) وابن الراوندي والشلمغاني (٣) والقرامطة والنصيرية وغيرهم من حثالات المنحرفين والضالين، الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان، ولكنهم في تاريخ الإسلام مثل الزبالة المحتقرة الملقاة في زاوية رواق ذهبي!!.

لقد حاول أدونيس أن يبث في قطعية ادعائية معاني الضلال والانحراف


(١) الآية ٣٠ من سورة محمد.
(٢) سبقت ترجمته: ص ٩٣٣. وانظر: ردود شيخ الإسلام ابن تيمية عليه في مجموع الفتاوى ٦/ ٣٠٤، ٣٠٨، ٣٠٩.
(٣) سبقت تراجمهم: ابن الراوندي: ص ١٣٦، والشلمغاني: ص ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>