للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونشر الدهرية، فما دامت البدايات هباء فكل شيء ضياع وعدم وانفلات، هكذا حسب المفهوم الأدونيسي الإبلبيسيّ.

وليس هذا مقصورًا عليه فعصابة الحداثة ملة واحدة وإن اختلفت بينهم الطرائق وتباعدت البلدان، فها هو حداثي آخر من المغرب العربي يردد نفس المعنى الذي قاله أدونيس تحت عنوان (النقد أساس الإبداع) (١).

وقد يظن القارئ لأول وهلة أن المراد هو النقد الأدبيّ البحت أو الفنيّ أو اللغويّ لارتباط كلمة الإبداع بالأدب والفن واللغة، ولكن الحداثيّ يفسر هذا العنوان العريض ويبين مراده بالنقد الذي هو أساس الإبداع فيقول: (أول ما يجب أن يتجه إليه النقد هو المتعاليات بمختلف تجلياتها، ليس الغائب الذي هو يخلق الحاضر والمستقبل، بل الإنسان هو خالق حاضره ومستقبله، لا تستصغروا المتعاليات، إنها المتحكمة في وعينا ولا وعينا. . . إن المتعاليات كمجال معرفيّ تعتمد قناعة أساسًا، وهي أن الإنسان موجود بغيره لا بنفسه، شبح عابر في دنياه، صورة لمثال، مصيره فوقه لا بين يديه تغطيه السماء بحنينها مرة، وتحتفظ له الظلمات بالردع هنا أو هناك) (٢).

إنها محاولة لهدم الدين باسم النقد، ومحو الإسلام باسم الإبداع.

وهذا هو دأب الهدامين من المتفرنجين المقتدمين بملاحدة الافرنج، تقديسُ الكفر باسم الإبداع، ونقد الإسلام وعقيدته باسم التحديث والتطوير الأدبيّ والفكريّ.

فهل صعب على هذه العقول الكليلة أن تبدع إلّا على أساس الكفر باللَّه وجحد ربوبيته ونقد "المتعاليات" والمقصود بها اللَّه تعالى ودينه ونبيه وسائر الغيبيات؟، فالإنسان -عندهم- موجود بنفسه، وهو خالق حاضره ومستقبله، هكذا ادعاءً ووقاحة وجراءة على الباطل، وكأن شرط الإبداع أن


(١) الأعمال الشعرية لأدونيس ٢/ ٥٤١.
(٢) حداثة السؤال بخصوص الحداثة العربية في الشعر والثقافة، لمحمد بنيس: ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>