للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمتأمل في أسلوب القرآن العظيم في معالجته لقضايا الكفر والنفاق وأنواع الانحرافات الأخرى، يجد المحاجة بالبرهان والمجادلة بالدليل جنبًا إلى جنب مع ذكر الأوصاف المطابقة للموصوفين مثل {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (١)، {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (٢)، {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (٣)، {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (٤)، {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (٥)، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (٦)، {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (٧)، {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (٨)، إلى غير ذلك من آيات القرآن العظيم، وقد نظرت في كتب الصراع بين أهل الإسلام وأصحاب الانحرافات المعاصرة منذ بدأت موجات الغزو التغريبي الماديّ المعاصر، فرأيت كثيرًا من أهل الغيرة الإيمانية يتجنب في كتاباته ذكر الأوصاف اللائقة بأصحابها، ظنًا منه أن ذلك يناقض الموضوعية أو ينافي أصول الطرح العلميّ، تحت ظنون ما يسمى بالتجرد العلمي ونزع الذاتية والترفع المعرفيّ ونحو ذلك، وقد فاتهم أنهم بهذا الأسلوب قد أسهموا نوع إسهام في إرساء مطلب من مطالب الحداثيين والعلمانيين، وذلك بنزع الوصف الاعتقاديّ أو المعرفيّ عن أقوالهم، بحيث تذوب هذه الأقوال الشنيعة في أحماض التناولات الثقافية المجردة، والتحليلات النقدية الباردة.

ثم إنه بالنظر إلى كون أصحاب هذه الأقوال راضين عن أقوالهم مرتاحي القلوب إليها، باذلي الجهد في نشرها وترويجها، فلا شطط في وصفهم بما اطمأنت إليه نفوسهم وبما استبطنته قلوبهم، كما تشهد بذلك أقلامهم وأعمالهم.


(١) الآية ٥٨ من سورة الزخرف.
(٢) الآية ٢٤ من سورة الأنعام.
(٣) الآية ٩٠ من سورة التوبة.
(٤) الآية ٥ من سورة الصف.
(٥) الآية ٧٧ من سورة المائدة.
(٦) الآية ٤٤ من سورة الفرقان.
(٧) الآية ٥ من سورة الجمعة.
(٨) الآية ١٧٦ من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>