للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه حقيقة ثابتة، لست أنا وحدي الذي أقولها أو اكتشفتها بل قالها نقاد الحداثة أنفسهم، فها هو محمد جمال باروت يتحدث عن هذه القضية في مثال واحد هو "حركة مجلة شعر" التي عبر عن مقاصدها أحد أعلامها في قوله عن الشعر أنه (ميتافيزيقا الوجود، حينما يصبح الوجود معبرًا عنه في الحياة) (١).

ويؤكد باروت على أن الفهم الذي قامت عليه حركة مجلة شعر (قاد إلى أوهام نخوية ومثالية وميتافيزيقية عن طبيعة الشعر ووظيفته، تحول معها الشاعر إلى نمط آخر من الأنبياء والعارفين والرأيين والمتعالين) (٢).

وينقل عن أحد نقاد مجلة شعر قوله: (وكل شعر لم يعبر عن صولة هذا القدر وعن الغصة الكيانية التي يقاسيها الإنسان أو عن الفرح الذي ينبثق عن رؤيا الشاعر إذ ينفذ إلى عالم الغيب وراء المرئيات وعن دهشته وتعجبه وافتتانه إذ ينتظر إليه، فليس شعرًا) (٣).

أمَّا أدونيس الذي جعل الحديث من الماضي والغيبيات من ظواهر الخلل الفكري عند العرب (٤)، والذي جعل الإيمان الغيبي سببًا لعرقلة الوعي (٥)، والذي وصف الشاعر الثوري بأنه لا يُمكن أن يكون ثوريًا إلّا برفضه لقيم السماء وتعلقه بقيم الأرض (٦)، يقرر مع هذا كله -في تناقض صارخ-: (أن الميتافيزيقية هي الخاصية الرئيسية في نتاجها الشعري الحديث [يقصد مجلة "شعر"] فالكائن العربي المعاصر هو، في شعرنا كائن ميتافيزيقي، يغوص إلى عمق الأعماق ويتضامن مع الآخر، ويحيا مصلوبًا فوق الخيط الذي يصل بين سيزيف والمسيح، بين اليأس ويقين الأمل) (٧).


(١) الحداثة الأولى: ص ٥١ والقول لمطاع صفدي.
(٢) المصدر السابق: ص ٢٢٢.
(٣) المصدر السابق: ص ٦٦ - ٦٧ ونقل القول عن ماجد فخري.
(٤) انظر: الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ١٠٣.
(٥) انظر: المصدر السابق ٣/ ٢٢٧.
(٦) انظر: زمن الشعر: ص ١٠٨.
(٧) مجلة شعر عدد ١٦ خريف ١٩٦٠ م: ص ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>