للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم قد يبدو هذا متناقضًا مع الأقوال السابقة، ولكن إذا نظرنا إلى الخيط الغيبي الذي يريد أن يصل به الميتافيزيقية الحداثية وجدناه يصل إلى اليونان والنصارى، وهذا المقصد يتفق مع المشروع الحداثي في محاربة الإسلام، سواء جاءت هذه المحاربة تحت راية المادية الإلحادية، أو تحت راية الوثنية اليونانية، أو تحت راية النصرانية أو النصيرية، فالهدف واحد.

وفي الوقت الذي يؤكد فيه زعماء العلمنة والحداثة العرب أن الإنجاز ما عاد يقاس بالإنسجام مع مفاهيم غيبية بل بالعقلانية والقيم الجديدة المستبدلة فكرة البشرية بفكرة الألوهية (١)، في الوقت ذاته يجعلون الحداثة دينًا وغيبًا "ميتافيزيقيا" ويؤلهونها ويعبدونها.

يقول أحدهم: (الشعر هو الميتافيزيقيا وهو الأسطورة) (٢)، ويؤكد أن (اعتبار الشعر أسطورة أو ميتافيزيقيا تغلغل في المفاهيم النقدية بتأثير الترجمات المتتابعة لكتب الأساطير والأبحاث المتعلقة بها، مثل كتاب أدونيس لجيمس فريزر عام ١٩٥٧ م الذي يقول مترجمه جبرا إبراهيم جبرا أنه كان ذا "أثر عميق في الإبداع الأدبي في أوروبا بما هيأه للشعراء والكتاب من ثورة رمزية وأسطورية نرجو أن يقبل عليها أدباؤنا أيضًا لإغناء أدبنا الحديث" ثم توالت الكتب المترجمة بعد ذلك مثل كتاب "ما قبل الفلسفة" و"الغصن الذهبي" ونشرت عدة دراسات تعارض أو تعزز هذا الاتجاه، ووصل الأمر بدعاة "أسطرة" الشعر إلى القول بأن الشعر، ما هو إلا الميتافيزياء. . .) (٣).

ويصف باروت الأسس التي رست سفينة الحداثة في موانئها العديدة المختلفة، وليس من بينها مطلقًا أي ميناء إسلامي فيقول شارحًا أسس الرؤية الحداثية (٤):


(١) هذا القول لهشام شرابي في قضايا وشهادات ٢/ ١٨.
(٢) بحثًا عن الحداثة: ص ٨٦.
(٣) المصدر السابق: ص ١٠١.
(٤) من خلال دراسته لديوان "أغاني القبة" لخير الدين الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>