للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحاربين ويقولون {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (١).

رأس مالهم الخديعة والمكر، وبضاعتهم الكذب والختر، وعندهم في العقل المعيشي: أن الفريقين عنهم راضون، وهم بينهم آمنون {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)} (٢) قد نهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها، وغلبت القصود السيئة على إرادتهم ونياتهم فأفسدتها، ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك، فعجز عنه الأطباء العارفون {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)} (٣).

من علقت مخالب شكوكهم بأديم إيمانه مزقته كل تمزيق، ومن تعلق شرر فتنتهم بقلبه ألقاه في عذاب الحريق، ومن دخلت شبهات تلبيسهم في مسامعه حال بين قلبه وبين التصديق، ففسادهم في الأرض كثير وأكثر الناس عنه غافلون {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (١٢)}) (٤) (٥).

هذا حال ووصف فئة منهم لا يريدون الظهور بمظهر المعادي الصريح تقية، يتخفون تحتها لإنفاذ ماربهم، ويكثر هؤلاء في البلدان التي يخافون فيها من أحكام الدين أو يأملون بلتبيسهم تحقيق القوة لهم والتمكين، وأكثر ما يكون هؤلاء في أهل التوجيه وأهل الأمر، أمَّا الفئة المعادية صراحة المحاربة جهرة، المضادة علنًا، فيكثرون في البلدان التي يأمنون فيها حيث لا يكون للدين وأهله شوكة، ويبرزون بكثرة من تحت أردية الفئة الأولى، حيث يعبرون بالنيابة عنها عما في قلوبهم، وينالون منها الحماية والرعاية والتأييد.


(١) الآية ٨ من سورة البقرة.
(٢) الآية ٩ من سورة البقرة.
(٣) الآية ١٠ من سورة البقرة.
(٤) الآيتان ١١، ١٢ من سورة البقرة.
(٥) صفات المنافقين تأليف: ابن القيم: ص ١٦ - ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>