للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا تأليه للشاعر وتأليه للإنسان، وإعراض عن اللَّه تعالى، واستكبار إلحاديّ على ربوبيته وألوهيته -سبحانه وتعالى-، واعتبار أن الإنسان يخلق مثل اللَّه، أو يشارك اللَّه في الخلق هو مبدأ حداثيّ يعبرون عنه تارة بهذه العبارة الصريحة في الكفر والإلحاد، وتارة يرمزون لذلك بعبارات "التكوين" و"الإيجاد" و"كونية الشعر والشاعر" ونحو ذلك من الألفاظ.

الأمر الرابع: الحداثة ليست مجرد شعر وأدب وتحديث في الأشكال والأساليب بل هي رؤيا شاملة للكون والحياة والإنسان، وعقيدة شمولية مضادة للتوحيد والإيمان والإسلام والشرع والدين.

الأمر الخامس: الانفصال عن اللَّه وشرعه ودينه، والعقيدة التي جاء بها الإسلام، أو ما عبر عنه أدونيس بالانفصال بين المرئي واللامرئي.

وهذه الأمور التي طبعت الحداثة العربية بطابعها وكستها بكسوتها، هي التي وجهت المضامين الحداثية في دلالاتها التقريرية الواضحة أو في رموزها وإشاراتها، وهي التي صبغت التيار الحداثي بمختلف مدارسه بهذه الصبغة بصورة كلية أو جزئية، حسب جرأة الحداثي على إظهار مكنونات عقيدته أو تستره خلف الغموض والرموز، وقد شرحت خالدة سعيد (١) بعض كلام زوجها أدونيس فقالت: (والكتابة الإبداعية واحد من امتدادات الحضور الإنساني والفعالية التاريخية، لذلك تحتم أن يرى فيها المبدعون الحديثون خاصة لغة لكلية التجربة الإنسانية، ومن هنا كان غياب الأغراض في الشعر مثلًا، إذ صارت القصيدة لحظة كلية، تستوعب الوضعية الإنسانية في شموليتها، وهكذا تطلع الشعر والنص الإبداعي عامة إلى النهوض بالدور الفلسفي والفكريّ والاجتماعيّ، وبالديني أو الأسراريّ "وليس الدين"، وإذا كانت الحداثة -حركة تصدعات وانزياحات معرفية- قيمية فإن واحدًا من أهم الانزياحات وأبلغها هو نقل حقل المقدس والأسراريّ من مجال


(١) خالدة سعيد حداثية سورية باطنية الأصل، زوجة الحداثيّ النصيريّ أدونيس، وشارحة أقواله، ومتولية أمر الدعاية له، والمنافحة عنه، تنطوي على عداوة شديدة للإسلام كزوجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>