للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلاقات والقيم الدينية والماضوية إلى مجال الإنسان والتجربة والمعيش، وإذا كان جبران يشكل إنجازًا مهمًا على هذا المستوى من حيث إقامة المصالحة بين الغيبيّ والإنسانيّ عبر تداخل الدلالات، واستعارة اللغة المقدسة للزمنيّ، فإن ديوان أغاني مهيار الدمشقيّ قد شكل أول انقلاب بين العالمين ونقل المقدس إلى الحقل الإنسانيّ، ولابد من القول في هذا المجال أن ديوان لن لأنسي الحاج قد أسهم في تجريح المقدس ورفع لواء العصيان البشريّ وإقامة لغة التجديف، غير أن مهيار يصوغ التجديف بلغة تبني الدينية الضدية، وترسم إله الدمار والتفكك وتؤسس لانقلاب القيم ومواقع المقدس.

هذا الانزياح علامة تاريخية كبرى. . . ومن هذا المنظور يمكننا أن نقرأ ديوان أمل دنقل (١) العهد الآتي، فهذا العهد الآتي هو عهد الإنساني، حيث الإنسان هو البدء) (٢).

فإذا كانت الحداثة العربية بهذه المثابة فما مرادها من نفي الخلق عن اللَّه وإزاحة المقدس، والمفاخرة بالكفر والتجديف؟ إنها تبحث عن دين آخر غير الإسلام، وتتطلع -تلافيًا للخواء الذي انحطت فيه- إلى إله آخر تتعبد له، أو ما يعبرون عنه بالبحث عن المطلق حسب قول أدونيس: (. . . ليس الشعر مجرد انفعال أو تعقل وإنّما هو رؤيا شاملة للكون وبحث دأئم عن المطلق) (٣).


(١) أمل دنقل ولد في صعيد مصر عام ١٣٥٩ هـ/ ١٩٤٠ في أسرة متدينة ونشأ على ذلك وكان يلقي خطب الجمعة ثم تحول إلى معجب بالماركسية والوجودية رافضًا يقينية الدين الإسلاميّ، متخبطًا في الأوهام والشكوك، عاش متسكعًا في المقاهي، متعاطيًا للخمور والحشيش، مقارفًا للموبقات، كان سليط اللسان، شديد القبح في منظره ومخبره، تشم رائحة الشيوعية منه عن بعد، وشعره مليء بالعقائد الضالة ومنها التهكم باللَّه تعالى والامتداح للشيطان، هلك بالسرطان عام ١٤٠٢ هـ/ ١٩٨٢ م. انظر سيرته وعقائده مفصلة في: كتاب الجنوبي لزوجته عبلة الروينيّ.
(٢) قضايا وشهادات ٣ شتاء ١٩٩١ م الموافق ١٤١١ هـ: ص ٨٤.
(٣) الثابت والمتحول ٣/ ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>