للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما هو المطلق الذي وصلوا إليه؟.

يجيب أحدهم على هذا الأمر فيقول: (إن الوضعية المنطقية (١) التي هي الظل الفلسفيّ لكل تيارات الحداثة تتخلى في الوعي الحداثويّ العربيّ عن المنطق، ليبقى الوضع بمثابة المطلق الوحيد. . .) (٢).

وهذا الادعاء الإلحاديّ في كون الوضعية أو الحداثة هي المطلق الوحيد، هو انجرار في نفس المجرى وانسياق في المسار الإلحاديّ القائم على جحد وجود اللَّه تعالى ونسبة الأبدية للمخلوق من الأعيان كالشاعر والإنسان والطبيعة والمادة، أو المعاني كالشعر والإبداع والحداثة والفكر ونحو ذلك، وهي قضية طالما دندن سدنة الحداثة والعلمانية حولها، فها هو محمد جمال باروت يتحدث في مقال بعنوان "تجربة الحداثة ومفهومها في مجلة شعر" فيقول: (العلمنة في معناها العميق انعطاف من الإله إلى الإنسان، ومن مملكة العرب إلى مملكة الإنسان، وبذلك لم يعد الإنسان يرى العالم نتاج "نظام إلهي أبدي" (٣) بل "وجد نفسه أمام نظام من صنع يديه لا استئناف لأحكامه إلى سلطة عليا" (٤) من هنا تغيرت نظرة الإنسان إلى العالم "تغيرًا جذريًا" (٥) فـ "لا شيء محرم على العقل" (٦) فـ "عوض عالم مستقر آمن قائم على قواعد ثابتة لا تتزعزع وجد الإنسان نفسه شيئًا فشيئًا في عالم لا قواعد ثابتة له، عالم على ساكنيه أن يعيدوا بناءه بأيديهم وعلى صورتهم ومثالهم، هكذا أصبح الإنسان أكثر من أي وقت مضى مقياس كل شيء" (٧). . .) (٨).

ثم يضيف مستشهدًا بكلام بعض الفلاسفة الغربيين قائلًا: (تصبح


(١) سبق تعريفها ص ١١٠.
(٢) قضايا وشهادات ٢ صيف ١٩٩٠ م الموافق ١٤١٠ هـ. مقال لعبد الرزاق عيد: ص ٢٩٣.
(٣) و (٤) و (٥) و (٦) و (٧) يشير باروت في الهامش إلى أن هذه العبارات منقولة عن الخال في مقال بعنوان "نحو أدب عربيّ حديث"، مجلة أدب - المجلد الثاني - العدد الأول شتاء ١٩٦٣ م الموافق ١٣٨٢ هـ: ص ٩.
(٨) قضايا وشهادات ٢ صيف ١٩٩٠ م: ص ٢٥٨ من مقال لمحمد جمال باروت بعنوان "تجربة الحداثة".

<<  <  ج: ص:  >  >>