للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك بأن سرقة وتقليد الأفكار الغربية لا تقتصر على فكرة أو فكرتين، أو مفهوم أو مفهومين إذًا لهان الأمر، ولكنها تتعلق بشبكة كاملة من المفاهيم (١).

وإذا ذهبنا نستعرض أقوالهم في النيل من علماء الإسلام وشخصياته والتهكم بهم والإشادة بالشواذ والمنحرفين في التاريخ من الأسود العنسي إلى علي بن الفضل إلى حمدان قرمط إلى ابن الصبّاح إلى ابن الراوندي وابن سبعين وابن عربي، فإننا نجد ركامًا هائلًا من الأقوال والشواهد، وقد سبقت الإشارة إلى بعض هذا في الفصل الرابع من الباب الأول المعنون بالتصورات المتأثرة بالوثنيات والديانات المحرفة.

أمَّا إشادتهم وامتداحهم للشخصيات الغربية من فلاسفة ومفكرين وساسة وذوي مذاهب وفنون، فإنها من الكثرة بحيث يصعب حصرها وجمعها، ومن الوضوح بحيث لا تحتاج إلى شواهد وأدلة، إذ القوم لا ينكرون هذا، بل يذكرونه ويفاخرون به، ويجعلونه من علائم الثقافة الواسعة، والاطلاع العريض.

حتى قال بعضهم: (لقد أصبحنا نسبق الغربيين إلى تطبيق مفاهيمهم قبل أن تكتمل عندهم، وقبل أن نحيط نحن بها علمًا) (٢).

(وهكذا نجد أن طريقة تعامل الكثيرين من المثقفين العرب مع العلوم الجديدة القادمة من الغرب خلال العقدين الأخيرين كان لها نتائج سلبية خطيرة، من بينها أننا أضعنا حوالي عشرين عامًا في مناخ غامض ملتبس لا يؤدي إلّا إلى البلبلة وسوء الفهم، وقد نتج عن ذلك كم هائل من الكتب الغربية المستعجمة أو المبتسرة التي تزيد الظلام إظلامًا بدلًا من أن تنير شمعة أو توضح فكرة) (٣).

إن الحداثة في موقفها من الشخصيات يتكون من مزيج هجومي


(١) المصدر السابق: ص ١٨٣.
(٢) نقد الحداثة: ص ٧٥.
(٣) المصدر السابق: ص ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>