للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألفاظ المجملة والمشتركة، بل وهم أيضًا لا يفهمون حقيقة ما يقصدونه ويقولونه (١). . . وكل مَن يقبل قول هؤلاء فهو أحد رجلين، إمَّا جاهل بحقيقة أمرهم، وإمَّا ظالم يريد علوًا في الأرض وفسادًا، أو جامع بين الوصفين، وهذه حال أتباع فرعون الذين قال اللَّه فيهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} (٢) وحال القرامطة مع رؤسائهم، وحال الكفار والمنافقين في أئمتهم الذين يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) (٣). على أنني -مع ذلك- لم أتجاوز قواعد البحث والمناقشة، من خلال إيراد نصوصهم ونقدها وإبانة ما فيها من فساد وعوار.

وأعلم مسبقًا أن هناك مَن سينتقد أسلوب إطلاق الأوصاف على مستحقيها ويعتبر ذلك تحاملًا وأحكامًا مسبقة، وتهكمًا واستنقاصًا ينافي الموضوعية العلمية؛ ولذلك بينت وجهة نظري في هذه القضية، مع اعترافي بأن وجهة النظر المخالفة لها مسوغاتها وحيثياتها العصرية ودوافعها الفكرية والسلوكية من الموافقين والمخالفين.

١٤ - أرى أنه على مَن يشتغل بالمناظرة مع الملحدين والمرتابين والمقلدين للأوروبيين أن ينتبه للشراك المنصوبة باسم "الموضوعية" و"الحوار" و"الانفتاح الثقافي" و"حرية الرأي" وخاصة عندما يصور نفسه في موضع الخصم؛ وذلك لأنه إذا أذعن لمقتضيات هذا المعتقد ولوازمه، فإنه يلتحق سرًا وبطريقة تدريجية من حيث لا يشعر بخصومه، إذ بكثرة تكرار فوض نفسه في موقع الخصم يقيم في عقله خصمًا خياليًا يتولد منه في الذهن والقلب قوة تصير وكيلًا لخصمه داخليًا، فينبت الوهن والضعف في أعماق النفس الأمّارة بالسوء ويقوى الشيطان في ظل تلك القوة، ويتحول الحق عن سبيله القويم ولو نوع تحول، فينتقص من الحق الذي معه بمقدار هذا التحول، وهذا منافٍ لمقاصد الموضوعية، ومخالف للعدل والإنصاف.

١٥ - ينبغي أن يُعرف بأن الحداثيين ليسوا على درجة واحدة بل هم في


(١) ينطبق كلام شيخ الإسلام هذا على بعض الحداثيين الذين أولعوا بتقليد كبرائهم الذين عادوا دين اللَّه عن إصرار ومعرفة.
(٢) الآية ٥٤ من سورة الزخرف.
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٢/ ١٣٨ - ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>