للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في حقيقته، وفي اعتقاد المؤمنين به؛ ولذلك وقف أهل الحداثة ضد مفهوم "اليقين" وحاولوا تدنيس صفائه بالشبهات الباطلة والأراجيف الكاذبة، بل حاولوا إزحة هذا المفهوم بالكلية فأصلوا لذلك أصلًا هو أنه: (ليس هناك حقائق مطلقة، وليس هناك يقين قاطع) وخاصة فيما يتعلق بالدين عقيدة وشريعة، ولذلك اعتنقوا بعبودية كاملة مذهب الشك الديكارتي وقدسوه وجعلوه منطلقًا من أساسيات منطلقاتهم.

وفي هذا المعنى يقول كاهنهم أدونيس (لم تعد هناك حقائق مطلقة، ولا أشكال ثابتة) (١).

ويجترئون بكل وقاحة على العلم والعقل ويقولون: (إن العلم المعاصر لم يعد ينظر إلى "الحقيقة" على أنها كيان بسيط وهوية متجانسة يُمكن عزلها وفصلها عما عداها، ومن ثم القبض عليها نقية من كل الشوائب بحيث يُمكن وضعها في حقل مستقل، والنظر إليها منفصلة عن سواها. . . إن الحقيقة مفهوم شديد التعقيد وعرضة للتغير) (٢).

ولو أن الأمر كما يزعم هذا الواهم الجازم، لما سارت الحياة في شعبها العديدة، ولأضحى البشر يتخبطون في شعاب الأوهام بلا طائل ولا غاية.

وإذا كان هذا يؤمن بالعلم المعاصر فأين هو عن الحقائق التي أثبتتها المكتشفات والمخترعات، والتي أصبحت عند الناس من الحقائق الثابتة الجازمة؟ ثم هو في نفيه وقطعه بعدم وجود حقيقة منفصلة، أليست هذه عنده حقيقة قاطعة جازمة؟! وهذا القول يذكرنا بمذهب السوفسطائيين، ولا غرو أن يكون القوم بهذا المستوى من الضحالة والجهل والضلال، فهم قد حاربوا الحقائق واليقين، واعتنقوا الحداثة التي هي (وعي المتاهة إذ


(١) زمن الشعر: ص ٢٨٧.
(٢) قضايا وشهادات ٢/ ١٧٤ والقول ليوسف سلامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>