للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هو المتبع، المحكم ما جاء به فقط) (١).

إن أمر الحكم بما أنزل اللَّه تعالى واجب على الأعيان لا مرية في ذلك ولا اشتباه، بل هو من المحكمات البينات في دين الإسلام، لتعلقه بأصل الدين، وارتباطه بالإيمان باللَّه رب العالمين.

قضية الحكم بما أنزل اللَّه تعالى ليست من القضايا التي يُمكن التعامل معها على أساس اختياري، بل هي قضية ملزمة لا يثبت عقد الإسلام ابتداءً إلَّا بوجودها، وقضية ينقسم الناس عندها إلى مؤمنين وكافرين، وموحدين ومشركين، فمن حقق هذه القضية مع الأركان الأخرى فهو المؤمن الموحد، ومن جحدها أو شك في لزومها فقد نقض عقد الإسلام وخلع ربقة الإسلام من عنقه، إذ القبول لها قبول بالإسلام، والمماراة فيها أو التردد في قبولها أو الارتياب في وجوبها، مماراة وتردد وارتياب في الإسلام نفسه.

وتقوم هذه القضية العظيمة على عدة أسس:

الأول: أن اللَّه هو خالق الإنسان والحياة، ومن خلق وأوجد من عدم فله حق الأمر وتجب له الطاعة {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٢)، فمن رضي باللَّه ربآ وأقر بأن اللَّه تعالى هو الخالق المالك المتصرف وجب عليه أن ينصاع لأمره وبصدق بخبره، وهي حقيقة الرضا باللَّه ربًا، تتجلى في الإقرار بالأمر الكوني والشرعي للَّه العلي سبحانه وتعالى، وفي الإقرار للَّه تعالى بأمره وتدبيره الكوني القدري، والإقرار والتسليم لأمره وتدبيره الشرعي، فمن أقر بأن اللَّه خالق مالك متصرف ولكنه جحد أن يكون له الحكم والتشريع، فإنه قد تناقض في إقراره بالربوبية وجحده للألوهية، ولا ينفعه ذلك، بل قد حل عقد الإسلام من نفسه، وخلع ربقة الدين من عنقه.

وهذه القضية هي التي حصل فيها النزاع بين الرسل وأتباعهم وشياطين الإنس والجن وأتباعهم، فأكثرهم يقر بأن اللَّه خلق الخلق وبيده الملك والتصريف للكون والحياة والإنسان، ولكنه ينازع في حق اللَّه تعالى في الأمر


(١) المصدر السابق ١٢/ ٣٥١.
(٢) الآية ٥٤ من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>