للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرعي ويدعي -بلسان حاله أو مقاله- أن له المشاركة مع اللَّه -جلَّ وعلا- في وضع الشرائع والمناهج.

وصفوة القول في هذا المقام أن توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن اللَّه هو الخالق وحده والمالك والمتصرف وحده لا يستقيم في قلب إنسان إلّا إذا أقر بأمر اللَّه الشرعي، وأيقن أن للَّه وحده السيادة العليا والتشريع المطلق، وله الطاعة المطلقة والأتباع والقبول، فلا دين إلّا ما شرعه اللَّه ولا حلال إلا ما أحله اللَّه ولا حرام إلّا ما حرمه اللَّه، ومن أجاز للناس اتباع شريعة غير شريعته، أو استحل ذلك أو رأى أن شريعة غير اللَّه مساوية لشريعة اللَّه أو أفضل منها فهو كافر مشرك ولو صلى وصام وحج وزكى وبنى المساجد وتصدق وزعم أنه مسلم.

الثاني (١): إن الأمم الكافرة التي أرسل اللَّه إليها الرسل كانت تؤمن بربوبية اللَّه تعالى، وتؤمن بوجوده، وتؤمن بأنه خالق كل شيء ومالك كل شيء والمتصرف في كل شيء، ومع ذلك أرسل اللَّه إليهم الرسل وأنزل الكتب؛ وعلة ذلك أنهم مع إقرارهم بالربوبية والخلق والتدبير الكوني، كانوا يجحدون حقه -جلَّ وعلا- في الأمر والحكم الشرعي، وكانوا لا يفردونه سبحانه في هذا، بل يتخذون معه أو دونه أربابًا من الأصنام أو الآلهة الباطلة أو الأعراف والتقاليد، أو النظم أو الأحبار والرهبان أو غير ذلك من الأنداد والشركاء؛ لأجل هذا بعث اللَّه الرسل وأنزل الكتب وحصل الصراع الطويل بين الفئتين؛ وسبب ذلك أنهم لما نازعوا في الأمر الشرعي، وردوا حكم اللَّه وشريعته كانوا في الحقيقة منازعين في ربوبيته؛ لأن مقتضى الإقرار بالربوبية يلزم منه الالتزام بشرع الرب الخالق المالك المتصرف، ومن اعتقد أن اللَّه تعالى خالق الناس وجب عليه أن يلتزم بالتحاكم إلى شرع خالق الناس، فكما أن الخلق كله للَّه وحده لا ينازعه فيه أحد، فإن الأمر كله للَّه لا يشاركه فيه أحد {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٢).


(١) وهذا الوجه بمثابة البسط والشرح للوجه الذي قبله.
(٢) الآية ٥٤ من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>