فمع إقرارهم بالربوبية ولوازمها إلا أنهم عند اللَّه تعالى ما زالوا مشركين كافرين.
الثالث: وجوب التفريق بين حقيقة الألوهية، وماهية النفس البشرية، وهذا الفصل بين القضيتين هو أساس إيمان المؤمنين، كما أن عدم الفصل بينهما هو أساس كفر الكافرين وإشراك المشركين.
فاللَّه تعالى له الصفات العليا التي لا يشابهها صفات، متفرد في كماله وجلاله، عظيم في صفاته وأعماله، ليس فيه نقص، فهو الكامل الكمال المطلق، وليس فيه عيب، فهو المنزه عن كل النقائص والعيوب، (يدبر أمر الممالك ويأمر وينهى، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقضي وينفذ، ويعز ويذل، ويقلب الليل والنهار ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول،. . . والرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بين صاعد إليه بالأمر ونازل من عنده به، وأوامره ومراسيمه متعاقبة على تعاقب الأيام (١)، نافذة بحسب إرادته، فما شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء، على الوجه الذي يشاء، من غير زيادة ولا نقصان، ولا تقدم ولا تأخر، وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها، وفي الأرض وما عليها وما تحتها، وفي البحار والجو، وفي سائر أجزاء العالم وذراته، يقلبها ويصرفها ويحدث فيهما ما يشاء، وقد أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة وحكمة، ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات، وأحاط بصره بجميع المرئيات، فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، يعلم السر وأخفى من السر. . .، له الخلق والأمر وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة. . . شملت قدرته كل شيء، ووسعت رحمته كل شيء ووسعت نعمته كل حي. . . يغفر ذنبًا ويفرج همًا، ويكشف كربًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا،