ويعلم جاهلًا، ويهدي ضالًا، ويرشد حيران، ويغيث لهفان، ويفك عانيًا، ويشبع جائعًا، ويكسو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويعافي مبتلى، ويقبل تائبًا، ويجزي محسنًا، وينصر مظلومًا، ويقصم جبارًا، ويقيل عثرة، ويستر عورة، ويؤمن من روعة، ويرفع أقوامًا ويضع آخرين، ولا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور: لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه، يمينه ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار،. . . قلوب العباد ونواصيهم بيده، وأزمة الأمور معقودة بقضائه وقدره، الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه. . .
ولو أن أشجار الأرض كلها -من حين وجدت إلى أن تنقضي الدنيا- أقلام والبحر وراءه سبعة أبحر تمده من بعده مداد، فكتب بتلك الأقلام وذلك المداد لفنيت الأقلام ونفد المداد ولم تنفد كلمات الخالق تبارك وتعالى، وكيف تفنى كلماته -جَلَّ جَلَالُهُ- وهي لا بداية لها ولا نِهاية؟ والمخلوق له بداية ونهاية فهو أحق بالفناء والنفاد، كيف يفني المخلوق غير المخلوق؟ هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس دونه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، تبارك وتعالى، أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأولى من شكر، وأنصر من ابتغى، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأعفى من قدر، وأكرم من قصد، وأعدل من انتقم، حلمه بعد علمه، وعفوه بعد رحمته، ومغفرته عن عزته، ومنعه عن حكمته، وموالاته عن إحسانه ورحمته، هو الملك لا شريك له، والفرد فلا ندّ له، والغني فلا ظهير له، والصمد فلا ولد له، ولا صاحبة له، والعلي فلا شبيه ولا سمي له، كل شيء هالك إلَّا وجهه، وكل ملك زائل إلّا ملكه، وكل ظل قالص إلَّا ظله، وكل فضل منقطع إلَّا فضله، لن يطاع إلَّا بإذنه ورحمته، ولن يعصى إلَّا بعلمه وحكمته، يطاع فيشكر، ويعصى فيتجاوز ويغفر، كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حال دون النفوس وأخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده