للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو التشهي أو الانتساب المجرد، بل هو اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

وهذا لا يقوم إلَّا على أصل تصديق الخبر والانقياد للأمر، فمن لم يتحقق في قلبه التصديق والانقياد فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومعلوم أن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق، والإقرار ضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد، تصديق الرسول فيما أخبر، والانقياد له فيما أمر، كما أن الإقرار باللَّه هو الاعتراف به والعبادة له، والكفر هو عدم الإيمان، سواء كان معه تكذيب أو استكبار أو إباء أو إعراض، فمن لم يحصل في قلبه التصديق والانقياد فهو كافر (١).

ولذلك أنكر اللَّه تعالى على من ادعى الإيمان بما أنزل على رسوله وعلى الرسل قبله من أحكام وشرائع، ثم يذهب بعد هذا الادعاء إلى الطواغيت يتحاكم إليهم، وبين اللَّه تعالى أن من يفعل ذلك ليس إلَّا من المنافقين الذين يصدون عن اللَّه وعن دينه وشريعته، قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (٦٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (٦١)} (٢).

(فإن قوله -عزَّ وجلَّ-: {يَزْعُمُونَ} تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مع الإيمان في قلب عبد أصلًا، بل أحدهما ينافي الآخر، و"الطاغوت" مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد، فكل من حكم بغير ما جاء به الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه، وذلك أنه من حد كل أحد أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقط لا بخلافه، كما أنه


(١) انظر: مجموع الفتاوى ٧/ ١١٧، ٢٣٤ - ٢٣٥، ٢٩٦، ٣٨٨، ٣٩٧، ٣٩٨، ٦٤٤.
(٢) الآيتان ٦٠ - ٦١ من سورة النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>