للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوة المعادية، كما يرى جبران، فيما يسميه "الشريعة" بتنوعاتها وأشكالها السلطوية، الماورائية، والاجتماعية: اللَّه "بالمفهوم التقليدي"، الكاهن، الطاغية، الإقطاعي، الشرطي. . . إلخ.

من المقطوعات المهمة التي توضح ثورة جبران على ما يسميه الشريعة العظيمة، مقطوعة في كتابه "السابق" (١٩٢٠) بعنوان "البهلول" ففيها يتمرد البهلول على الشريعة بخضوعه الكامل لها، الإنسان يرفض الشريعة إمّا بشكل مباشر، حيث يعلن انفصاله عنها، وإمَّا بشكل غير مباشر، أو بشكل ساخر حيث ينفذها تنفيذًا حرفيًا كما يفعل البهلول.

وتكشف هذه الطريقة في رفض الشريعة عن براءة الإنسان المطلقة وعن تجاوز إنسانيته لكل شريعة، فالإنسان قبل الشريعة هو الأصل. . . الشريعة في نظر جبران، ترتبط دائمًا بمقتضيات المحافظة وبما يغتصب السيادة الحقيقية، فالشريعة خداع واغتصاب، إنها مؤامرة الذين يريدون أن يظلوا أسيادًا على عبيد، أو أن يكونوا ساحقين، فالشريعة هي الإرهاب الإنساني بامتياز، بل إن المجتمع لا يكون طاغية، ولا يكون عدوًا للتقدم والحرية إلَّا بالشريعة واستنادًا إليها، إن الطغيان والعبودية من ثمار الشريعة. . .

. . . من يخضع للشريعة ليس عادلًا ولا يشعر أنه عادل، بل على العكس يشعر أنه مذنب، إنه أخطأ قَبْليًا، وهكذا تبدو الشريعة وجودًا سابقًا على الإنسان وتجعل منه، بالتالي، أو تنظر إليه على أنه مخطيء أو مجرم، مسبقًا، وأنها موجودة لانزال العقاب الملائم، بغية إصلاحه، ومن هنا تغير موقف الإنسان من الشريعة: كان في الماضي يدعمها ويحافظ عليها، أمّا اليوم فيرفضها ويغيرها.

المثل العربي البارز على رفض الشريعة من أجل الحقيقة، أي من أجل ما يتجاوز الشريعة، هو التصوف - على صعيد التجربة الفكرية، وهو الصعلكة على صعيد التجربة الحياتية. . .، أمّا الاتجاه الثاني القائم على الفكاهة والدعابة فهو نوع من الحركة التي لا تصعد من الشريعة إلى مبدأ أسمى منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>