للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل على العكس، تهبط من الشريعة نحو نتائجها، أي نحو تطبيقها بشكل حرفي، فالتطبيق الحرفي للشريعة ينقلب إلى هزء بالشريعة، بحيث تبدو عبثية وباطلة، وبحيث يستمتع من يطبقها استمتاعًا كاملًا بما تحرمه عليه وتمنعه من تحقيقه.

في موقف جبران من الشريعة نلمح هذين الاتجاهين: فهو من جهة كما يتجلى في مقطوعة "البهلول" يتجاوز الشريعة بروح الدعابة - بتطبيقها حرفيًا، كأن العقاب شرط يجعل اللذة الممنوعة ممكنة، وهو من جهة ثانية، كما يتجلى في مقطوعة "الشرائع" مثلًا، يتجاوز الشريعة بالدعوة إلى الطبيعة الأصلية التي تسبق الشريعة ولا تعرفها - والتي هي شريعة نفسها، الإنسان هو الطبيعة الأولى، أمَّا الشريعة فطبيعة ثانية، وجبران ينادي بالطبيعة الأولى ويدعو إلى العودة إليها) (١).

هذا القول يعتبر تأصيلًا للحداثة في موقفها من الشريعة، ونصًا محتذى من قبل أتباع الحداثة، عليه يدورون وعلى منواله ينسجون، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، هو دلالة صارخة على مقدار العداوة لشريعة الإسلام، وحقد متجذر في الموقف من الإسلام كله.

وليست الشريعة في هذا القول سوى الشريعة الإسلامية، وإن حاول أدونيس أن يلبس بذكر ما سماه الأشكال السلطوية مثل الكاهن والطاغية والإقطاعي والشرطي، إذ مراده الأصل ما ذكره أولًا: "اللَّه بالمفهوم التقليدي" حسب افترائه الإلحادي.

ثم استعارته لشخصية "بهلول" (٢) الذي يظهر أنه تظاهر بالجنون ليقول


(١) الثابت والمتحول ٣ - صدمة الحداثة: ص ١٨١ - ١٨٣.
(٢) بهلول بن عمرو الصيرفي أبو وهيب، من عقلاء المجانين، كان يخلط وعظه وجرأته على الحكام بالتظاهر بالجنون، وكان في منشأه من المتأدبين المتعلمين ثم وسوس، أو تظاهر بذلك فعرف بالمجنون، ولد ونشأ في الكوفة، واستقدمه الرشيد وغيره من الخلفاء لسماع كلامه، له أخبار ونوادر ووعظ وشعر، توفي نحو سنة ١٩٠ هـ. انظر: الإعلام ٢/ ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>