والإنسان والحياة والتقدم، فما كان أمامهم إلَّا أن يحاربوا الدين كله، سعيًا لإسقاط هيمنة الكنيسة الظالمة الجاهلة المحرفة، وإسقاط تسلط أرباب الدين الظلمة، ولكنهم لم يكتفوا برفع الظلم عن أنفسهم من خلال تبيين الحقيقة على وجهها ومعرفة الدين الحق، أو من خلال رفع مظالم الرهبان والقساوسة، بل اتجهوا بكل عنف وقسوة وطيش لهدم الدين كله، ونفي الألوهية والربوبية، وتأليه الإنسان.
ولما أخذ أبناء المسلمين عنهم في هذا العصر ما أخذوا من عقائد وأفكار، أخذوا هذه القضايا، ونقلوا حلقات الصراع بين الكنيسة والعلم والعقل والإنسان، وأحداثها الدامية الطويلة، نقلوها إلى الإسلام دين العلم والعقل واحترام الإنسان، والذي لم يكن يومًا مّا ضد أي شيء من هذه القضايا، بل كان لها راعيًا وحافظًا وحارسًا وحاميًا.
ولكن الحقد الذي انغرست بذوره في قلوب وعقول المستطرقة عقولهم من أبناء المسلمين، أبت إلَّا أن تنبت ثمار الشنآن فأصبحوا كما قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)} (١).
فإذا ذكر هيجل أو نيتشه أو ماركس أو سارتر أو سيبنوزا إذا هم يستبشرون، وإذا ذكر اللَّه تعالى أو رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أو أصحابه أو علماء المسلمين أو مصطلحات الإسلام أو مضامين الإيمان إذا وجوههم مظلمة كأنما أغشيت قطعًا من الليل مظلمًا.
وقد شاهدت ذلك ورأيته رأي العين في كتبهم ومجلاتهم وفي مجامعهم وأنديتهم، وما ذاك إلَّا لتأثير العقيدة الضالة في قلوبهم.
فالفكر عندهم ما قاله الغرب أو تلامذته من طه حسين والطهطاوي حتى عشماوي وعصفور وأدونيس، فإذا دار الكلام عن هؤلاء وأضرابهم وأشباههم بل وحتى أتباعهم من فروخ الحداثة الصغار؛ سموا ذلك الكلام