هذه نظرية فرويد التي أثرت في الحياة الغربية كما لم تؤثر نظرية أخرى باستثناء سابقتها المسماة نظرية النشوء والارتقاء، التي تأثر بها فرويد أيما تأثر، فماذا صنع فرويد ونظريته في الحياة الغربية في مجال الأخلاق والقيم؟.
لقد نزع عن الإنسان إنسانيته وألقاه في حضيض الحيوانية، بل أفحش في تصوير حيوانية الإنسان، حين صور أن الحياة الإنسانية ليست حيوانية فحسب، ولكنها كلها تنبع من جانب واحد من جوانب الحيوان، من الجنس، من الغريزية الشهوانية، وعلى ذلك فإن أي عائق يعوق انطلاق هذه الغريزة فهو كبت يجب تجاوزه بل يجب تحطيمه، وأهم هذه العوائق عند فرويد الدين والأخلاق، التي اعتبرها قيما غير أصيلة في الحياة البشرية، وإنّما هي -عنده- انعكاس لشيء آخر، مادي في أصله وحيواني.
إذن فالأخلاق والقيم مجرد خرافة وزيف يمارسها الناس مع بعضهم عن طريق المخادعة والتلبيس.
وبهذا الشكل استطاغ فرويد تلويث فكرة الدين والأخلاق والتقاليد وتقذيرها وتدنيسها في نفوس الناس، حتى لقد اجترأ في خبث يهودي معهود - فسمى التسامي الخلقي شذوذًا، وقرر أن الكبت الجنسي خطر على الكيان النفسي والعصبي؛ لأنه يصيب النفس بالعقد والاضطرابات.
طارت هذه النظرية الجنسية في آفاق الحياة الغربية، وأصبح فرويد قواد الجيل الحديث إلى كل رذيلة وانحطاط و (امتد تأثيره إلى ميادين التربية والتعليم والآداب والفنون والدين والفلسفة والأخلاق والثقافة الشعبية)(١).
لقد كان أثره عنيفًا في الحياة الغربية، اعتنقت الجماهير آراءه، وظاهرهم في ذلك كثير من العلماء، بل توسع بعضهم في تفسير هذه النظرية واستطرد مع لوازمها ومقتضياتها في تواصل جذري مع نظرية داروين التي تعتبر أصلًا ومنطلقًا لنظرية فرويد، إلى حد أن أحدهم كتب كتابًا عن