للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخير أن القانون الخلقي ينبع من العقل وحده لا عن ابتغاء مرضاة أحد، أو تحصيل منفعة، فإذا قرر العقل ذلك وجب اتجاه الإرادة نحوه، ومن ثم يصبح القانون الخلقي ضرورة ويستحيل أمرًا يقيد الإرادة ويلزمها، ومن ثم يصبح أمرًا كليًا مطلقًا، ويرى أنه لا ارتباط بين الأخلاق والإيمان باللَّه تعالى؛ لأنه يزعم أن العقل النظري قد عجز عن التدليل على وجوده، وإن استلزم العقل العملي افتراضه، ومع ذلك فإنه يرى أن الدين لم يسبق الأخلاق ولم يحددها، وأن الأخلاق، على العكس، هي التي أدت إلى الدين (١).

وعلى الرغم من أن نظرية كانط هذه تعد أمثل من النظريات المادية البحتة أو الحيوانية الصرفة إلّا أنها لا تبعد كثيرًا عن المجال المادي، وإن عد الفلاسفة نظرية كانط من الفلسفات والنظريات المثالية، إلّا أن ذلك لا يبعدها عن الإطار المادي، وذلك حين استبعد الإيمان باللَّه تعالى والدين عن الأخلاق، أو قلل من شأنهما.

ولولا اللَّه تعالى ما استند قانون الأخلاق إلى أساس متين، ولولا الدين ما استقامت الأسس الأخلاقية ولا استمرت، ويُمكن القول بأن حاجة الإنسان في الاحتفاظ بأخلاقه إلى وجود اللَّه ضرورة لأنه بيده وحده مكافأته عليها حيث لا مكافيء، وهذا ما لا يزال يقوله أنصار الدين من أنه لا أخلاق معولّا عليها من غير دين (٢).

أمَّا سبينوزا اليهودي الهولندي فقد سبق الحديث عن فلسفته، ويهوديته في مواضع من هذا البحث (٣).


(١) انظر: الموسوعة الفلسفية لعبد المنعم الحفني: ص ٣١، ٣٧٥ - ٣٧٧، والأخلاق عند كانت لعبد الرحمن بدوي، وفلسفة الدين والتربية عند كانت له.
(٢) انظر: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين ٣/ ٦٩ لمصطفى صبري، وقد ناقش -رحمه اللَّه- كانط في كلامه عن وجود اللَّه وعن قضية الأخلاق من: ص ٦٥ إلى: ص ٨٣.
(٣) انظر: ص ١٠٥٨، ٢٠٨٨ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>