أصبح من شبه المسلمات لديهم، فيسمون الإنسان خالقًا وكذلك الشاعر والفنان، ويدعون أن الإبداع خلق ثانٍ للكون.
ومما لا ريب فيه أن من تجرأ على جحد وجود اللَّه ونفي خلقه للكون فإن جرأته على تسمية غير اللَّه خالقًا ونسبة الخلق لغير اللَّه أشد، وهذه من رواسب ذلك الفكر الإلحاديّ الماديّ، وبقية من رعونات التصورات الضالة التي تردى فيها أصحاب الزيغ والهوس الدنيويّ الدهريّ، تحت شعارات براقة خادعة أقاموا عليها المنهج الفكريّ والعمليّ من أمثال حرية الإنسان وإنمائه وتحقيق الذات، والتطور. . . إلخ.
وكأن هذه الأمور لا تتحقق إلّا في سياق ماديّ إلحاديّ قوامه جحد الإله -جلَّ وعلا-، ودعامته الحملة الضارية على الدين ونظمه وما ينبثق عنه من أعراف اجتماعية ومقومات خلقية.
وكما أن الإسلام يقوم على مبدأ التوحيد للَّه تعالى في ذاته وصفاته وألوهيته، فإن الفكر الحداثي يقوم على الضد من ذلك، على التعددية في الربوبية والألوهية، زاعمين أن ذلك هو أساس التقدم والإبداع والحرية، وهذا الذي يسمونه تعددًا هو عين "الشرك" بالمصطلح الشرعيّ الإسلاميّ، والذي هو اعتقاد شريك مع اللَّه تعالى في خلقه وملكه أو في ألوهيته وعبادته.
وإذا كان المشركون الأوائل يتنصلون من وصفهم بالشرك كما أخبر اللَّه تعالى عنهم: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} (١)، فإننا نجد أن مشركي هذا الزمان يفاخرون بذلك ويعدونه عين التفوق والتقدم، مخادعين أنفسهم وكاذبين على غيرهم مرتكسين في الوثنية صراحة وبدون مواربة أو غطاء، يعدون الوثنية اليونانية والإغريقية المثل الأعلى للحداثة؛ لما تحتويه من "تعددية" حسب تزيينهم وتلبيسهم، وبدلًا من أن يصفوا الوثنيات بالجهل والشرك والتمزق كما هو حالها حقيقة، نراهم يصفونها بالتحديث والامتياز، ويجعلونها أساس حداثتهم، وجذر عقيدتهم، كتب أحدهم تحت عنوان "مقاربة الحداثة": (لم تتجل الحداثة طوال العصور