وهنا حصل الإلغاء الكامل والصريح لإنسانية المجتمعات، والجحد الصريح للحقيقة الروحية، والآفاق والأشواق الإنسانية والقيم العليا، قيم الحق والخير والجمال والإخاء والمودة، وتحويلها إلى وسائل يُحتال بها للوصول إلى المآرب والرغبات المادية والشهوانية.
وبناء على هذه النظرات المادية الحيوانية أقام الغرب سياسته وقوانينه، وحياته الاجتماعية والنفسية، بمعزل عن القيم الروحية، والأخلاق، وقبل ذلك كله بمعزل عن الدين.
وكانت نتيجة ذلك التخبط المروع لهذه المجتمعات، والصراع الوحشي، والتمزق العنيف، وحياة التشاكس والضيق، وتلف المشاعر ومرض الأعصاب ودمار النفوس، وسحق الإنسان، حتى وصلت حوادث الجنون والانتحار والتفكك الأسري إلى أرقام قياسية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.
ولولا غلالة رقيقة من الأداء الإداري، والتفوق التقني، والغلبة العسكرية، والمساواة القانونية لكانت هذه المجتمعات قد انهارت وتآكلت من داخلها.
وقد شهد بذلك بعض مفكريهم وحذروا من الدمار القادم (١).
وكل ذلك يعود إلى استبعاد الدين وإلغاء الإيمان باللَّه تعالى من الحياة، وعزل الحياة عن ذلك تمام العزل، وإلى التصور الأعور للكيان الإنساني، والتفسير الناقص، قصير النظر، محدود الرؤية، الذي جعلوه الأصل الكلي لمنطلقاتهم الفكرية والعملية.
وإذا عدنا إلى أظهر الفلسفات التي أثرت في الحياة الاجتماعية وجدناها:
(١) انظر: على سبيل المثال سقوط الحضارة لكولن ولسن، والإنسان ذلك المجهول لأكسيس كاريل، وإنسانية الإنسان لرينيه دوبو.