للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت أعظم ديانة ظهرت بعد الإسلام في التاريخ، أعظمها انتشارًا وأعمقها جذورًا وأقواها سيطرة على العقول والقلوب، وأقبل عليها زهرة البلاد الإسلامية وزبدتها عقلًا وثقافة، وساغتها وهضمتها ودانت بها كما يدين المسلم بالإسلام، والمسيحي بالمسيحية بكل معنى الكلمة، فهي تستميت في سبيلها وتقدس شعارها وتجل قادتها ودعاتها وتدعو إليها في أدبها ومؤلفاتها، وتحتقر كل ما يعارضها من الأديان والنظم والعقليات وتؤاخي كل من يدين بها، فأفرادها أمة واحدة وأسرة واحدة ومعسكر واحد. . .

إنها ردة، أعود فأقوال: اكتسحت العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وغزت الأسر والبيوتات، والجامعات والكليات والثانويات والمؤسسات، فما من أسرة مثقفة -إلّا من عصم ربك- إلّا وفيها من يدين بها أو يحبها أو يجلها، وإذا استنطقته أو خلوت به أو أثرته عرفت أنه لا يؤمن باللَّه، أو لا يؤمن بالآخرة، أو لا يؤمن بالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، أو لا يؤمن بالقرآن كالكتاب المعجز الخالد ودستور الحياة، وأفضلهم من يقول إنه لا يفكر في مثل هذه المسائل ولا يهتم بها كبير اهتمام) (١).

بيد أن الحداثيين قد أبعدوا النجعة في مراعي الزقوم الإلحادي، وكانوا أبشع مثال على هذه الردة الكبيرة التي مارسوها وبذلوا غاية جهدهم لصبغ المجتمعات الإسلامية بها.

فها هو أدونيس يصور المجتمع العربي -حسب رؤيته الباطنية والحداثية- تصويرًا أسودَ؟، ويصفه بأنه رجعي مستهلك ثابت رجعي تراثي، وسبب ذلك -عنده- أنه مجتمع متدين، يقول: (هذا السلوك السائد في الحياة العربية إنّما هو سلوك يناقض الثقافة بعامة (٢)، ويناقض الكتابة بخاصة، فمهم الثقافة يتضمن الاستقلال: يؤكد تفتح الإنسان إلى أقصى حد (٣) بقواه الخاصة ووسائله الخاصة، ذلك أن الثقافة هي الحلول التي


(١) ردة ولا أبا بكر لها: ص ٦ - ٨.
(٢) يقصد ثقافة الإلحاد والانحلال.
(٣) يريد تفتحه على كل الضلالات والانحرافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>