ييتكرها الإنسان لمشكلاته، أمَّا هذا السلوك فيتضمن التبعية، أي الخضوع لسلطة فوق سلطة الإنسان، الحلول جاهزة سلفًا، والإنسان في هذا السلوك يؤكد استسلامه لإرادة سامية تتجاوزه "يقصد اللَّه -جلَّ وعلا-" والاستسلام استسلام للأكمل، لما يتجاوز إرادة الإنسان، وفي هذا نفي للثقافة، أو فيه توكيد على أن الثقافة هي حفظ الماضي واستعادته باستمرار، وهكذا تتحول السياسة والثقافة إلى نوع من التدين، والواقع أن كلا منها ليس إلّا مجموعة من المواقف الدينية تتقنع في السياسة بقشرة وطنية وفي الثقافة بقشرة فكرية، يبدو في هذا المنظور أن الذي تكلم وكتب في المجتمع العربي هو اللَّه وحده، وأن تراثنا يمثل نوعًا من الكتابة الأولى، وكل كتابة يكتبها الإنسان يجب أن تكون شرحًا أو تفسيرًا لهذه الكتابة الأولى.
المجتمع الذي يتأسس على مفهوم الكتابة الأولى مجتمع أمر ونهي مجتمع وعيد وعقاب، مجتمع طقسي، حرفي، يمنع النقد، يمنع طرح مشكلات أو أسئلة جديدة، والكتابة فيه لا تقبل إلّا إذا انطلقت من الكتابة الأولى، فجاءت تسويغًا لها، وشرحًا، واستعادة، وتذكرًا، هذا المجتمع هو في جوهره مجتمع قمع وإرهاب) (١).
وهذا القول يتضمن الدعوة إلى ترك الدين ليصل المجتمع إلى السلوك الموافق للثقافة والاستقلال حسب معاييره الإلحادية الساقطة.
ثم هو يشير إلى قضية الأمر والنهي والوعيد وامتناع النقد، باعتبارها معالم للتخلف.
وأدونيس وطائفة الحداثيين والعلمانيين يمارسون هذا ويدعون إلى ممارسته، فهم تحت طائلة الأمر والنهي التي ترد عليهم من أساتذتهم زعماء المذاهب الفكرية والأدبية.
ومن اطلع على نتاجهم وأفكارهم وأعمالهم وقارن ذلك مع سيرة وأعمال أصحاب المذاهب الفكرية والأدبية الغربية لم يخرج إلّا بنتيجة واحدة