للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للدولة العربية في هذه التقنية، فالغرب هو الذي يختار نمط الغرب المسموح به أو المرغوب فيه للعالم العربي، وهذه حداثة مقطوعة الجذور عن الماضي والمستقبل معًا (١)، إنها، باختصار، حداثة هيمنة فرد أو فئة تتضمن، كشرط وحيد لاستمرارها وضمان هذا الاستمرار، استعباد وهزيمة الأمة والوطن (٢).

حداثة المؤسسات المضادة، بما يحددها كطريقة للتنظيم الاجتماعي، والتكتل السياسي، والمفارقة هنا هي أن هذه المؤسسات -كمعطى غربي بالأساس- تنبني فيه على مرتكزات الحداثة، التي هي الديمقراطية، وحرية التعبير، واعتبار الوطن أو الأمة أو الأممية، ظلت في العالم العربي تهجس بالسلطة والدولة كنموذج لبنيتها، مما أعطاها وضعية امتداد للسلطة لا بديل لها، لذلك تحول هذا النمط الحداثي من التنظيم الاجتماعي، والتكتل السياسي، في العالم العربي، إلى وسائط تتضمن استمرار الدولة - الهيمنة، على مستوى البناء القَبَلي لقاعدتها الاجتماعية، والتسييد الضابط للممارسة السلطوية، بفؤيتها وقبيلتها وتراتبها الخاضع للواحدية المتعالية (٣)، والتنظير المستقر في جوف ثوابت الفكر اللاهوتي المانعة لإبدال الرؤية إلى مسألة الأقليات، العقد الاجتماعي، والفعل الثقافي، والارتباط بين القيادة والقاعدة، وتفضيل مبدأ الاجتهاد على مبدأ حرية التعبير.

حداثة المعرفة، بتشعباتها، ومن ضمنها حداثة الإبداع، في مختلف الأجناس الأدبية، والفنون التشكيلية، والسينما والمعمار) (٤).


(١) و (٢) وكأن الحداثة الفكرية والأدبية ليست كذلك؟!! إنه يريد بهذا الكلام إضفاء صفة الأصالة والتحرر والرقي على الحداثة في جوانبها الفكرية والأدبية، والتي لا تنفك مطلقًا عن الوصف الذي وصف به حداثة الدولة.
(٣) سبق أن بين في كتابه مراده بالواحدية المتعالية، وأظهر معانيها عنده "توحيد اللَّه تعالى" فالواحدية من أبرز معانيها التوحيد، والمتعاليات من أظهر ذواتها: اللَّه جلّ وتعالى وتقدس.
(٤) المصدر السابق: ص ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>