فقد كانت الشيوعية تمر بتغيرات جوهرية من عهد إلى عهد، والناظر في عهود الحكام الروس من لينين إلى جورباتشوف يجد البون الشاسع الهائل ليس في القشرة والأسلوب بل في الجوهر والمضمون بين حقبة وأخرى.
ومع ذلك تجد الاتباع الأغرار، مرضى العقول والقلوب، يدافعون ويبحثون عن التأويلات الباردة والتبريرات الخائبة.
وقد انكشفت عورات الأنظمة الماركسية من زمان نشأتها وقوتها وتمكنها (١).
فإلغاء الملكية الفردية وإحلال الملكية الجماعية كانت مجرد أسطورة فقد تحولت الأموال والملكيات إلى أعضاء الحزب الشيوعي وأعضاء اللجنة الماركسية، وتفانوا في تصفية بعضهم ليحوز كل منهم أكبر قدر من الأموال والملكيات.
أمّا الدولة حامية حقوق الضعفاء والكادحين -حسب زعمهم- فقد أضحت كابوسًا ثقيلًا باستبدادها البشع، وظلها المرهف، وفتكها المتواصل.
فما من بلد حكمته الشيوعية إلَّا وأصبح الإنسان فيه مسحوقًا والكرامة الإنسانية فيه معدومة، فجو الإرهاب الدائم الذي تمارسه الأنظمة الشيوعية على الشعوب تحت حجج المحافظة على النظام والأمن ومكافحة الامبريالية والأعداء أضحى السمة المميزة لهذه الأنظمة، وجو الجاسوسية المظلم من أبرز الظواهر التي انصبغت بها هذه الأنظمة المادية الظالمة، حتى أصبحت الشعوب المحكومة بالشيوعية تعيش أزمات الثقة الحادة، حين لا يأمن الوالد
(١) انظر على سبيل المثال: الأديب ومفوض الشرطة لجورج بالوشي هورفات، والخمور الفكرية لأرثركوستلر، والطبقة الجديدة لميلوفان دجيلاس، والاشتراكية الوافدة من الصقيع لسارتر والثورة والثقافة لأندره جيدو لويس فيشر وريتشارد رايت والاعتراف لآرثور لوندون، وحوار مع الشيوعيين في أقبية السجون لعبد الحليم خفاجي، ومشيناها خطى لأحمد سليمان المحامي، والفلاح: قصة الحياة والموت في روصيا السوفيتية لفالتين جونز اليز وجوليان جركن، تعريب: أحمد فؤاد الأهواني.