وما التشاحن الظاهر بين الديمقراطية والماركسية إلَّا على الكيفيات والسبل، وإلّا فهم جميعًا في مستنقع الوثنية والمادية.
أمَّا شهادة بعضهم ضد بعض فهي كما قال اللَّه تعالى عن أسلافهم:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}(١)، فقد صدق كل فريق فيما قاله عن الآخر وإن كان كاذبًا فيما يدعيه لنفسه من فضيلة وخير وامتياز.
ويُمكن للمطلع على النقد الماركسي الموجه إلى الديمقراطية الغربية والرأسمالية والليبرالية أن يجد أشياء عديدة مما صدقت فيه الماركسية في نقدها للديمقراطية الغربية، كما تجد العكس.
وإذا أردنا أن نقوم الديمقراطية من أساسها ومنطلقها فلننظر في العقيدة التي أنبتت عليها، ولننظر من المعبود الذي يوجه ويشرع ويحكم في هذه الملة الحديثة؟.
وقضية من المعبود ليست قضية هامشية ولا غيبية مجردة، بل هي قضية أصيلة من صميم احتياج الإنسان، وعليها يتوقف مصير الإنسان في الدنيا بدرجة أكبر وأخطر مما يظنه الماديون وأتباعهم.
ويتفرع من قضية "من المعبود؟ " قضية أخرى تضاهيها في الأهمية والمنزلة والمكانة وهي "من المشرع؟ " التي قامت من أجلها الثورات التاريخية والصراع الإنساني الطويل؛ بسبب المظالم التي تقع من المشرعين الذين يشرعون لأجل مصالحهم، ومصالح طبقتهم وأعوانهم، فيثور المضطهدون لرفع هذا الظلم.
والظلم هو طابع الجاهلية التي يشرع فيها البشر للبشر، ذلك أن المجتمع الجاهلي لابد أن ينقسم بطبيعته إلى فئتين: سادة في يدهم القوة والحكم والنفوذ والسلطان والمال والتشريع والتنفيذ، وعبيد يقع عليهم النفوذ والسلطان وينفذ فيهم التشريع.