في ثوب الديمقراطية، والمستغربون من أبناء هذا العالم يرون أنه لا منقذ لهم من التخلف والاستبداد والظلم إلَّا باستيراد الديمقراطية، وبرز المثقفون والأدباء والكتاب والإعلاميون على صالة العرض يسوّقون الديمقراطية الليبرالية ويدعون لها ويبشرون بمجيئها باعتبارها المنقذ الوحيد والمخلص الفريد لكل الآلام.
وكل هذه الفئات تحاول أن تظهر بمظهر الداعي المخلص، والمحامي البارع عن الليبرالية والديمقراطية وسائر رموزها وممارساتها.
وبعيدًا عن شعارات أسواق المزاد القائمة اليوم في الأنظمة العلمانية في البلدان الإسلامية، والمنابر الصحفية والثقافية التي يسيطر عليها العلمانيون والحداثيون، والتي تتنافس جميعًا في إثبات ولائها وانتمائها للديمقراطية الليبرالية، بعيدًا عن كل ذلك، وعن ما سبق ذكره من المضامين الاعتقادية والأخلاقية والسياسية الفاسدة التي تحتويها الديمقراطية في واقعها الغربي الراهن؛ نجد أن هؤلاء الذين تفننوا في رفع شعارات الديمقراطية لم يأخذوا منها إلَّا الأسواء والأرداء والأخبث، أمّا ما فيها من حقوق وضمانات فإنهم أبعد الناس عنها تطبيقًا، وأكثر تشدقًا بها حتى من الغربيين أنفسهم.
ولنأخذ فئة الحداثيين والعلمانيين الذين يعتبرون أنفسهم الدعاة الخلص للديمقراطية والليبرالية الغربية؛ نجد أنهم يتشدقون بحرية الرأي، وأنهم يطرحون الرأي والرأي الآخر؛ لأن ذلك من مقتضيات الليبرالية، ولكننا نجدهم في واقع الأمر يمارسون الاستبداد الإعلامي والثقافي، فلا يسمحون لغيرهم بالكتابة أو التحدث من منابرهم، حتى ولو كان حداثيًا صرفًا أو علمانيًا خالصًا ما دام لا يحمل التوجه الذي تتجه فيه المؤسسة الإعلامية أو الثقافية.
وقد رأينا أنه حين سيطر بعض أدباء الواقعية على بعض الملاحق أو الأندية الأدبية كيف استبعد ومنع أدباء الألسنية والبنيوية من المشاركة، وكذلك العكس.