وينبري هذا الحداثيّ يدافع عن شريكه في العقيدة الإلحادية، وينافح عن هذه القصيدة المترعة بالكفر، ساكبًا أصباغ خداعه ومغالطته على القول وقائله فيقول:(. . . ثمة قصيدة نالت دون غيرها أكبر قدر من هذا الحراب ونال صاحبها أكبر قدر من الهجوم، بوصفه رمز الحداثة والتحديث البارز في هذه المنطقة، أعني الدكتور عبد العزيز المقالح، الشاعر اليمنيّ الذي تجاوز إبداعه أفق المنطقة، وصار أحد أعمدة الشعر العربيّ المعاصر)(١).
ثم ينفتل إلى الكلمات الإلحادية يؤولها ويحللها ويتحدث عنها بكلام اعتذاريّ تبريريّ هو أقرب إلى السفسطة منه إلى الحقيقة، وفيه من لطخات الانحراف مثل ما في الكلام المتصدّى له، يقول: (. . . وتتجاوب الدلالات الرأسية مع الأفقية ليبرز من الثنائية المتعارضة في طرفها الأول، الدال المنفيّ -"رب القهر الطبيعي"- الذي يغدو علامة على عصور يشيخ فيها الحب "الإنسان" والشعر "الإبداع" وسلاحًا يلازم سوط الجلادين ورعب المجلودين، وتبريرًا تأويليًا يضع الشرع في خدمة الحكم، فيتقلص الشرع إلى سبحات وعمائم ورزم من دولارات، تبرر كف الجلادين، وتبارك الرب القادم من هوليود، كيس يسرق أرضًا تتورم بالبترول، بين الأمس القاتل واليوم المقتول.
إن نفي الدال الذي ينطوي على "رب القهر الطبيعيّ" يبدأ بوضعه إزاء نقيضه "رب الأغنية - الثورة" والمدلول المراوغ الذي يومئ إلى منتجي صورة هذا "الرب" يعابثه الدال الذي يكشف -بالمجاورة- عن تلازم ما تخفيه "العمائم" أو تتجه إليه "سبحات" المسبحين من "رزم الدولارات" من ناحية، و"الرب القادم" في "أشرطة التسجيل" من "هوليود" من ناحية ثانية، وذلك تقابل يفرض نفسه على القارئ، كي يختار بدوره، في سياق الصراع الاجتماعيّ المكبوت، والنص الأوسع لما لايقال بين "رب القهر الطبيعيّ" في التأويل النقليّ الاتباعيّ و"رب العدل" الذي يتجلى مناقضًا للأمس القاتل واليوم المقتول، وقرين الأغنية التي تذيب جبال الحزن وتغسل بالأمطار
(١) الحداثة والإسلام: ص ١٩٥ من مقال لجابر عصور بعنوان "إسلام النفط والحداثة".