للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إنشاء أدب جديد فيه كل عوامل التجديد ودوافع البعث) (١).

ولكن ما الهوية التي يريد تشكيلها لهذا الاتجاه؟ بعد أن قرر بأن الأمة ضائعة الشخصية وهو يبحث لها عن هوية لكنها ليست قومية عربية من جهة العرق، وليست انتماءً دينيًا من حيث الاعتقاد (إنه لا يرى في العرق والدين مقومين من مقومات الأمة. . .، بل تغدو العروبة انتماءً لغويًا ثقافيًا حضاريًا تضرب جذوره في مرجعية أعمق وأبعد تاريخيًا، هي مرجعية الموروث "السومريّ، الكنعانيّ، الآراميّ، البابليّ" الذي يرى فيه سعادة الينبوع الحضاريّ الأول في العالم) (٢).

ومن هذا المنطلق يدعو أنطون سعادة أتباعه (ولا ريب أن الحداثيين جميعًا تأثروا بأنطون سعادة بصورة مباشرة أو غير مباشرة) (٣) يدعوهم إلى عبادة الآلهة الوثنية، فها هو يتوجه بنداء إلى (الأدباء الواعين أن يحجوا ويسبحوا إلى مقام الآلهة السورية فيعودوا من سياحتهم حاملين إلينا أدبًا يكتشف حقيقتنا النفسية ضمن قضايا الحياة الكبرى التي تناولها تفكيرنا من قبل في أساطيرنا التي لها منزلة في الفكر والشعور الإنسانيين، تسمو على كل ما عرف ويعرف من قضايا الفكر والشعور) (٤).

وبهذا التنظير الوثنيّ وأشباهه أصبحت الأسطورة الوثنية إحدى مقومات الشعر الحديث عامة، والشعر العربيّ المعاصر خاصة (وهكذا ارتفعت الأسطورة إلى أعلى مقام. . . وثمة أسباب كثيرة ربما كان في أولها -وإن لم يكن أقواها- التقليد للشعر الغربي الذي اتخذ الأسطورة -منذ القديم- سداه ولحمته. . . أضف إلى ذلك كله أن للأسطورة جاذبية خاصة. . . وهي من ناحية فنية تسعف الشاعر على الربط بين أحلام العقل الباطن ونشاط العقل الظاهر. . . لهذه الأسباب ولغيرها ذهب الشاعر الحديث -في توق


(١) المصدر السابق: ص ٦٢.
(٢) الحداثة الأولى: ص ١٢٣.
(٣) سوف يأتي إثبات ذلك -إن شاء اللَّه- في الفصل الرابع من الباب الأول.
(٤) الصراع الفكريّ في الأدب السوريّ: ص ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>