للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبياء كان بتوحيد الألوهية، ليخلص الناس عبادتهم وتوجههم للَّه تعالى، بحيث لا يصرفون شيئًا من ذلك لغير اللَّه، لأي أحد من المخلوقين مهما كانت منزلته، ولا يخضعون لأي شرع غير شرع اللَّه، ولا لأي حكم غير حكم اللَّه، فمن أخل بهذا التوحيد فهو كافر مشرك، وإن أقر بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، بل من أتى ناقضًا واحدًا من نواقض توحيد الألوهية فهو كافر وإن أتى بكل أنواع العبادة الأخرى.

وتوحيد اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- وإفراده وحده بالعبادة قولًا وفعلًا وإرادة هو أعظم الأصول، وأوجب الفروض، وهو أول الأمر وآخره، ولم يبعث اللَّه الرسل إلّا للدعوة إليه كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} (١)، وقال -جلَّ وعلا-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (٢).

وهذا التوحيد هو الذي من أجله خلق الإنس والجن: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} (٣) وبسببه تباينوا فكان منهم أهل النجاة وهم المؤمنون الموحدون، وأهل الهلاك وهم الكافرون والمنافقون، وهو الذي سيسأل عنه الخلق يوم القيامة قبل غيره.

وهذا التوحيد هو معنى "لا إله إلّا اللَّه"، وأهله هم حزب اللَّه، وأهل رحمته ورضوانه وجنته، ومنكروه أو منتقصوه هم أعداء اللَّه وأهل غضبه ومقته، وهو محور الدين كله وأساس كل شيء فيه، فإن صح صح كل شيء وإن فسد فسد كل شيء (٤).

وأنواع التوحيد الأخرى يتضمنها توحيد الألوهية وليس العكس فقد يقر المكلف بتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية ولكنه لا يعبد اللَّه فهذا


(١) الآية ٢٥ من سورة الأنبياء.
(٢) الآية ٣٦ من سورة النحل.
(٣) الآية ٥٦ من سورة الذاريات.
(٤) انظر: طريق الهجرتين لابن القيم: ص ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>