إن سعيهم الحثيث في تحطيم معاني الألوهية وجحد حقائقها قابله في الوقت نفسه تأليه وعبودية للمخلوقين ونتاج المخلوقين، وخالطه بؤس وألم وضنك، كما اعترف بذلك محمد الفيتوريّ في مرحلته السابقة حين أغرق نفسه في ظلمات الحداثة والعلمانية العربية، يقول:
(احترقت ستائر الإله
حتى أنائي الأزليّ شاه
أنائي المقدس انحطم
بالفظاعة الألم) (١).
وإحساس الفيتوريّ بالألم جراء هذا الاجتراء على اللَّه الإله الحق المبين، هو من بقايا الفطرة في نفسه ومن بقايا تربيته المنزلية ودراسته الشرعية، وهو في هذا على عكس أدونيس صاحب الجذور النصيرية والتربية النصرانية اليهودية والممارسة الشيوعية، وكذلك أشباهه مثل الخال وأنسي الحاج وجبرا الذين يجاهرون بالكفر، ويفتخرون به، ويمتدحون أهله، ويتلذذون بدعوتهم إليه وممارستهم له، كما قال أدونيس في وصفه لخطته ومنهجه وطرائق تفكيره ودعوته:
(أسير في الدرب التي توصل اللَّه.
إلى الستائر المسدلة
لعلني أقدر أن أبدله) (٢).
وما هو بقادر على تبديل ما حفظه اللَّه ولا تغيير ما وعد اللَّه ببقائه واستمراره (وكم صدوا عن سبيله صدًا، ومن ذا يدافع السيل إذا هدر؟، واعترضوه بالألسنة ردًا، ولعمري من يرد على اللَّه القدر؟،. . . وكم أبرقوا وأرعدوا حتى سال بهم وبصاحبهم السيل، وأثاروا من الباطل في بيضاء ليلها كنهارها ليجعلوا نهارها كالليل، فما كان لهم إلّا ما قال اللَّه: {بَلْ نَقْذِفُ