للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - زعمه بأن التحرر لا يقوم إلّا على الإلحاد والكفر باللَّه تعالى وهو ما عبر عنه بقوله: (على كل من يريد التحرر منها أن يتحول إلى حفار قبور، لكي يدفن أولًا هذه التقاليد كمقدمة ضرورية لتحرره) (١)، وقد سبق أن قال بأن اللَّه والأنبياء والآخرة ليست إلّا تقاليد.

والزعم بأن التحرر لا يقوم إلا على الإلحاد، زعم كاذب وادعاء أجوف، فها هي أوروبا التي يتخذها قبلة له تغرق في نتائج انفلاتها من الدين، وتسقط في حمأة الانحرافات الخلقية والنفسية والاجتماعية إلى حد جعل بعض عقلائهم ينادي بالعودة إلى الدين والأخلاق ووضع ضوابط للحرية، وذلك بعد أن أذاقهم اللَّه لباس القلق النفسيّ والتوتر العصبيّ، حين أعرضوا عن الهدى، واستكانوا إلى الإلحاد والمادية، فكثر الظلم والعدوان وحقد القلوب وفساد الضمير والأنانية المفرطة، والإجرام المنظم والدعارة والشذوذ والربا والجشع، والتفكك الأسريّ والاجتماعيّ، والأمراض الجنسية والنفسية، وغير ذلك من نتائج هذا التحرر الإلحاديّ الذي ينادي به أدونيس وغيره من رواد الحداثة وأتباعها.

إن ربط التحرر بالإلحاد والكفر باللَّه تعالى هو أحد أهم المضامين الاعتقادية الحداثية، وسوف يأتي في ثنايا هذا المبحث إثبات ذلك، وقد سبق في الفصل الأول من هذا الباب ذكر شيء من ذلك.

ثم إن تحررهم المزعوم من عبادة اللَّه تعالى ومن الإقرار بألوهيته لم يخلصهم من العبودية لغيره، بل ارتكسوا في تأليه غير اللَّه وعبادة غير اللَّه من مناهج ونظم وعقائد وأفكار وأحزاب، وهذه الحقيقة مما اعترف به بعض الحداثيين حين قال: (. . . التخلص من الإله، في الفكر الماديّ، دفع إلى ابتداع إله آخر، هو الذات الثورية) (٢).


(١) قضايا وشهادات ٢ صيف ١٩٩٠ م/ ١٤١٠ هـ: ص ٤٣ من مقال بعنوان "أسئلة عن الثقافة الطبقة والتشكيلات الاجتماعية" لعصام خفاجي.
(٢) ديوان الفيتوري ١/ ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>