وفي هذه الدعوى المجردة أكبر دليل على أن الأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة ما كان لها أن تعيش، وهي تحمل بذور فنائها فيها، لولا وجود قوة خادعة، وألفاظ موهمة وشعارات عاطفية، كما صنع هذا الباطنيّ حين خلص من دعواه الباطلة في جحد وجود اللَّه والأنبياء والآخرة ليقرر بعد ذلك بأن هذا هو سبيل التحرر، وكم جنت دعاوى التحرر وشعاراته على المسلمين حين رفعها حداثيّ مفتتن، وعلمانيّ مُستَرق، فما أفاد المسلمون منها إلّا تشكيكًا في دينهم وقدحًا في عقيدتهم، وتشويهًا لشريعتهم وسخرية بتاريخهم، وولاء لعدوهم، وعداوة لأمتهم.
إن المشيحين عن دين الحق والهدى والرشاد من رؤوس الكفر وأذنابه، لم يفقهوا هذا الدين ولم ينظروا إلى حقائقه نظرة إنصاف وبحث عن الحق، بل تجارت بهم أهواء الباطل كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يذر عرقًا ولا مفصلًا إلّا دخله، وهؤلاء استحوذت عليهم سنة تقليد الضعيف للقويّ، فانماعوا في الباطل وأشربوا حبه، حتى صارت معرفتهم به وتعمقهم فيه واستمساكهم به أشد وأقوى ما يكون الاستمساك، ثم يتطاولون على الإسلام وحقائقه القاطعة وبراهينه المؤكدة مع أن معرفتهم بالشبه والافتراءات المثارة حول الإسلام، أكثر من معرفتهم بحقائق الإسلام ذاته.
٤ - يسمي أدونيس الإيمان باللَّه وأنبيائه واليوم الآخر تقاليد، وهذا ملمح من ملامح الحداثة العربية، يمارسه بعض أتباعها، الذين لا يعلنون ما يعلنه أدونيس والبياتي وغالي شكري وأنسي الحاج وقباني من كفر وإلحاد، ولكنهم يتوجهون إلى هدم الدين بطريق ملتو ومسالك مريبة منها محاربة التقاليد البالية والتقاليد القديمة، ونحو ذلك من عبارات أمثال: الرمال الضريرة، والكهوف الميتة، والأعشاب اليابسة، والزمان الحرون، وما أشبه ذلك من رموز وألفاظ تحتها أفاعٍ وحيات.
فمحاربة التقاليد أساس حداثيّ، وفي النص الأدونيسيّ التفسير الجليّ لمرادهم بالتقاليد.