للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا تقدم) (١).

وها هو الآخر يجعل من الإيمان باللَّه تعالى نقيضًا للعقلانية -الإله المعاصر الذي عبدوه من دون اللَّه- فيقول: (وما دام الإيمان الذي عمر صدور هؤلاء المهتدين الجدد يقدم نفسه كنقيض لكل عقلانية، ولكل تاريخية، وفي غضون ذلك سيكون الواقع قد تعفن أكثر فأكثر) (٢).

ولو تأملنا هذا الكلام على بساط العقلانية التي يرددونها دائمًا، لقالت حقائق العقول أن الإنسان اقترب من ربه ودان له كلما كانت حياته الفردية والاجتماعية أفضل وأرقى وأحسن، وكلما ابتعد عن ربه كلما ارتكس وانتكس وشقيّ وتعس، وما التحلل الاجتماعيّ والفساد الخلقيّ والانحراف العقديّ الضارب بأطنابه في الحياة المادية الغربية وفروعها إلّا أكبر دليل على التعفن والانحطاط الذي وصل إليه الإنسان، عندما ترك الدين وترك العبادة واستكبر على اللَّه فحاطت به سيئاته {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤)} (٣).

وقد اقتبس الحداثيون أسوأ ما في الغرب من أمور، وجلبوا إلى أوطان المسلمين أشر ما عند الكافرين، والعقائد الضالة والأخلاق الفاسدة.

يقول البياتي:

(كان لنا فجر وكانت لنا … آلهة تمنحنا ودها

يا طالما غنيت في حبها … وكنت في حبي لها عبدها

حتى إذا ما الأمس ولّى مضى الـ … ـساقي وخلى في فمي قيدها

يا طيفها! نوافذي أغلقت … وأطفئت أنوارها بعدها) (٤)


(١) الأعمال الشعرية الكاملة لتوفيق صايغ: ص ٣٠٧.
(٢) قضايا وشهادات ٤ خريف ١٩٩١ م/ ١٤١١ هـ: ص ٣٢ من مقال لسعد اللَّه ونوس بعنوان "الثقافة الوطنية والوعي التاريخي".
(٣) الآية ١٢٤ من سورة طه.
(٤) ديوان البياتي ٢/ ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>